بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فها تخريج مختصر لحديث صحيح، حاول بعض الناس تضعيفه بغير حجة، والله الموفق.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اله عليه وسلم قَالَ : "خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ، قَامَتِ الرَّحِمُ، فَأَخَذَتْ بِحِقْوَيِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ : مَهْ، قَالَتْ : هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ.
قَالَ : أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ : فَذَلِكَ لَكِ " .
ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}.
رواه بهذا اللفظ : "حقوي الرحمن" بالتثنية:
الإمام البخاري في صحيحه-في بعض نسخه كما ذكره القاضي عياض في المشارق(2/394) عن نسخة الأصيلي وابن السكن، وعبدالحق في الأحكام الكبرى(1/237) وفيما ذكره ابن كثير في تفسيره، وفي المصابيح للبغوي-كما في المشكاة-، وفي بعضها بالإفراد-، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول(4/51-52رقم847) واللفظ من غير المسندة أما المسندة فورد في المطبوع منها بالإفراد، أما في المخطوط(ق187) فبالتثنية-، ورواه كذلك في المنهيات(ص/
بنفس لفظ غير المسندة-، والطبري في تهذيب الآثار-الجزء المفقود(رقم179، 180)، والديلمي في مسنده- النسخة غير المسندة-، والبغوي في شرح السنة(رقم3431)، وفي تفسيره(3/15)،
وهي واردة من طرق مختلفة:
فقد وردت في بعض نسخ البخاري، وهو رحمه الله قد خرجه من طريق: خَالِدِ بْن مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به مرفوعاً.
ورواية الحكيم من طريق: قتيبة بن سعيد عن حاتم بن إسماعيل عن معاوية بن أبي مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة به مرفوعاً.
ورواية الطبري والبغوي من طريق: سليمان بن بلال-وقرن معه الطبري: محمد بن جعفر الفريابي-، عن معاوية بن أبي مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة به مرفوعاً.
ورواه عن سليمان بن بلال: سعيد بن أبي مريم، وإسماعيل بن أبي أويس.
وفي رواية للطبري : عن عمران بن محمد عن عبدالكبير بن عبدالمجيد عن معاوية بن مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
وأبو عاصم عمران بن محمد الأنصاري شيخ الطبري: ثقة .
وقد ورد في رواية أبي بكر الحنفي عن معاوية بن مزرد بإفراد الحقو ..
وللحديث بلفظ التثنية شواهد في أسانيدها نظر، والعمدة على ما سبق.
وعلى كل فرواية "بحقوي الرحمن" بالتثنية صحيحة، ولم يطعن أحد من أهل الحديث في صحتها، لا سيما مع ورودها في بعض نسخ صحيح البخاري المعتمدة ..
وفي الختام أذكر تعليق شيخنا العلامة ربيع بن هادي المدخلي على كتاب التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام، ثم أذكر كلام الشيخ علي رضا في تحقيقه لكتاب تهذيب الآثار - الجزء المفقود ليعلم الفرق بين علي رضا القديم وعلي رضا الجديد والله المستعان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (2/ 120) : [ وقال: "لما خلق الله الرحم تعلقت بحقوي(1) الرحمن وقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى قد رضيت"(2)]
قال شيخنا الشيخ ربيع حفظه الله في هامش (1) : الحقوان: الخاصرتان.
وقال في هامش (2) : أخرجه البخاري، 65 - كتاب التفسير 47 - سورة محمد، حديث (4830 - 4832) و 97 - كتاب التوحيد، باب 35، حديث (7502) دون قوله "تعلقت بحقوي الرحمن" في الموضع الثاني مع ذكره في الموضع الأول. ومسلم (2/1980 - 1981) 45 - كتاب البر، 6 - باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، حديث (16) بدون قوله "بحقوي...". وأحمد (2/330) كلهم من حديث أبي هريرة والجملة السابقة عند أحمد بلفظ بحقو.
فأثبت الشيخ ربيع أنها في الموضع الأول من صحيح البخاري بالتثنية دون تضعيف لها بخلاف بعض المتحذلقين.
وسأذكر لفظ روايتي الطبري:
تهذيب الآثار ( الجزء المفقود ) (ص: 131)
179 - وحدثني ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا محمد بن جعفر وسليمان بن بلال قالا : حدثنا معاوية بن أبي المزرد المديني ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ' خلق الله الخلق ، فلما فرغ منهم ، تعلقت الرحم بحقوي الرحمن ، فقال : مه ؟ فقالت : هذا مقام عائذ بك من القطعية ! قال : فما ترضين أن أقطع من قطعك ، وأصل من وصلك ؟ قالت : بلى ! قال : فذلك لك ' . قال سليمان في حديثه : قال أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض ، وتقطعوا أرحامكم ) .
180 - حدثني أبو عاصم الأنصاري : عمران بن محمد ، قال : حدثنا عبد الكبير بن عبد المجيد ، قال : حدثنا معاوية بن أبي مزرد المدني ، قال : حدثني عمي سعيد أبو الحباب ، قال : سمعت أبا هريرة يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ' إن الله - جل وعز - خلق الخلق حتى فرغ من خلقه ، فقامت الرحم ، فأخذت بحقوي الرحمن ، فقال : مه ؟ قالت : هذا مقام العائذ من القطيعة ؟ قال: نعم .
أما ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ' . اقرأوا إن شئتم : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض . . . ) إلى أقفالها.
قال الشيخ علي رضا في تحقيقه لكتاب تهذيب الآثار للطبري -الجزء المفقود ) ص/ 132
حاشية 2 : حديث صحيح رواه البخاري ومسلم والمؤلف بهذا الإسناد نفسه في تفسيره والبغوي في تفسيره أيضاً وفي شرح السنة .
والإسناد جيد كسابقه .
وقد رواه أحمد أيضاً والبخاري في الأدب المفرد والنسائي في السنن الكبرى من هذا الوجه أيضاً.
وكذا هو في الأسماء والصفات له.
وفي ص 133 تعليقا على الحديث 180 قال في حاشية 1:
حديث صحيح، وإسناده جيد لولا أن شيخ المؤلف عمران بن محمد أبا عاصم لم أقف له على ترجمة ، وعبدالكبير بن عبدالمجيد الحنفي: ثقة. التقريب.
وأبو الحباب سعيد: هو ابن يسار : ثقة متقن. التقريب.
وقد رواه البخاري في صحيحه ، وابن حبان والبيهقي في الآداب. انتهى.
تنبيه: ذكر الشيخ علي رضا الأرقام ولكن لم أكتبها اختصاراً.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد