{سلسلة فوائد لغوية}
الحمد لله ،والصلاة والسلام على رسول الله ،وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
هذه سلسلة فوائد لغوية أتحف بها إخواني ، تذكيرا لهم ولنفسي ؛ بعجائب لغتنا المجيدة وما تزخر به من مفردات ومعاني ،اختصت بها لغتنا عن سائر لغات العالم ؛ وهو موضوع متجدد ؛ أسأل الله الإعانة عليه ،وآن الآن الشروع فيه .
كلمة : { دون} ـ لها تسعة معان :
ـ تأتي بمعنى " قبل "
ـ تأتي بمعنى " أمام "
ـ تأتي بمعنى " وراء "
ـ تأتي بمعنى " تحت "
ـ تأتي بمعنى " فوق "
ـ تأتي بمعنى " الساقط من الناس وغيرهم "
ـ تأتي بمعنى " الشريف "
ـ تأتي بمعنى " الأمر "
ـ تأتي بمعنى " الإغراء "
ـ تأتي بمعنى " الوعيد "
فأما ـ دون ـ بمعنى " قبل " ، فكقولك : دون النهر قتال ؛ ودون قتل الأسد أهوال ؛ أي : قبل أن تصل إلى ذلك .
و" الوعيد " ’ كقولك : دونك صراعي ؛ ودونك فتمرس بي .
وفي " الأمر " : دونك الدرهم ، أي : خذه ، وفي " الإغراء " ؛ دونك زيدا في حفظه
{ و ـ دون ـ بمعنى : " الأمر " ؛ تستخدم في بلدي ـ ليبيا ـ كثيرا بلغتنا العامية الدارجة ؛ فيقولون : دونك الرجل ، دونك الجدار ؛ وكذلك تستخدم عندنا بمعنى " التحذير " فيقولون : دونك النار والبئر والحفر .....إلخ }
وبمعنى " تحت " ، كقولك : دون قدمك خد عدوك ، أي : تحت قدمك ؛ وبمعنى " فوق " كقولك : إن فلانا لشريف ،فيجيب آخر فيقول : ودون ذلك أي : فوق ذلك ، وقال الفراء : "دون " تكون بمعنى " على " وتكون بمعنى "علّ " وتكون بمعنى " بعد " وتكون بمعنى " عند " وتكون إغراء وتكون بمعنى أقل من ذا وأنقص من ذا .
ذكر هذا كله ابن منظور في ( لسان العرب ) في مادة " دون " ( 13/165ـ166)
وقد نظم الشيخ محمد ابن الشيخ العلامة علي بن آدم الإتيوبي الولّوي هذه المعاني في قوله :
ـ لدون تسعة من المعاني * قبل وفوق تحت خذ بياني
ـ أمام والساقط والإغـراء * والأمـر والوعيـد زد وراء
وعـلّ عنـد وبمـعنى بعـد * فاحفظ فحفظ العلم نعم السعد ........
ـ يتبع إن شاء الله ـ
* كلمة : "كاد " *
لفظ معناه للمقاربة
قال النووي ـ رحمه الله ـ : { .... قال أهل اللغة : " كاد " موضوعة للمقاربة ، فإن لم يتقدمها كانت لمقاربة الفعل ، ولم يفعل ، كقوله تعالى : ( يكاد البرق يخطف أبصارهم ) وإن تقدمها نفي كانت للفعل بعد بطء ، وإن شئت قلت : لمقاربة عدم الفعل ، كقوله تعالى : ( وما كادوا يفعلون)}
" شرح مسلم ـ ( 1/ 57 ) "
وقد اشتهر بين النحويين أن "كاد " إثباتها نفي ، ونفيها إثبات حتى جعله بعضهم لغزا ، حيث قال :
أنحويّ هذا العصر ما هي لفظة * جرت في لساني ْجرهم وثمود
إذا استعملت في صورة النفي أثبتت * وإن أثبتت قامت مقام جحود
والصحيح كما قال الفاكهي ، وغيره : أنها كسائر الأفعال ،نفيها نفي ، وإثباتها إثبات وقوله تعالى : ( فذبحوها) لا ينافي قوله تعالى : ( وما كادوا يفعلون) ؛ لأن معنى الكلام : أنهم ذبحوها ولم يكونوا قبل الذبح قريبين إلى الذبح ، بناء على التعنتات الصادرة عنهم
وحاصله : أن انتفاء مقاربتهم إلى الذبح إنما كان قبل زمان الذبح فلما انقطعت تعللاتهم ، وانتهت سؤالاتهم فعلوه كالمظطرالملجأ إلى الفعل ، والله أعلم ـ { راجع : " الكواكب الدرية على متممة الآجرومية ص :115}
يتبع إن شاء الله تعالى ......
فائـــــــــــــــدة :ـ
قال الفيومي في " المصباح المنير " [ 1/318ـ 319] :
" ( الشّفة ) : مخفف ولامها محذوفة ،والهاء عوض عنها ،وللعرب فيها لغات ،منهم من يجعلها هاءً ،ويبني عليها تصاريف الكلمة ،ويقول : الأصل شَفَهَة ،وتجمع على شِفاه ،مثل كلبة وكلاب ،وعلى شفهات ،مثل سجدة وسجدات ،وتصغر على : شُفيهة ،وكلمته مشافهة ، والحروف الشفهية .
ومنهم من يجعلها واوا ،ويبني عليها تصاريف الكلمة ،ويقول : الأصل : شَفَوَة ،وتجمع على شفوات ،مثل شهوة وشهوات ،وتُصغر على شُفيّة ،وكلمته مشافاة ، والحروف الشفوية .
ونقل ابن فارس القولين عن الخليل ، وقال الأزهري أيضا :
قال الليث : تجمع الشفة على شفهات ،وشفوات ،والهاء أقيس ،والواو أعم لأنهم شبهوها بسنوات ،ونقصانها حذف هائها ،
قال : ولا تكون الشفة إلاّ من الإنسان ، ويقال في الفرق :
الشفة من الإنسان ، والمِشْفر من ذي الخف ،والجحفلة من ذي الحافر ،والمِقمّة من ذي الظلف ،والخطم والخرطوم من السباع ، والمنسر ـ بفتح الميم وكسرها ـ والسين مفتوحة فيهما ،من ذي الجناح الصائد ،والمنقار من غير الصائد ،والفنطسة من الخنزير " اهـ
وقد نظمت هذه الفروق المذكورة في قول بعضهم :
فائـــــدة نفيســة أنيقـــــهْ * بحفظـها وفهمـهـا خليـــــــقهْ
فشفة للناس قل والمِشفرُ*غـدا الـذي الخفّ فخذه تشـكــرُ
وقل لذي الحافر جاء جحفلة*مِقمّـَة ذوات ظِـلفٍ شمــلهْ
والخطم والخرطوم للسباع *ومنسر لذي الجناح الساعي
للاصطياد والذي لا صيد له*أتى له المنقار عند النقـلـة
وقالـوا للخنزير جا فِنْطسة *فاحفـظ لهــا فإنـها نفيســــة
فائدة في ألفاظ جموع كلمة " عبد "
العبودية : أشرف أوصاف العبد ، وبها نعت الله ـ تعالى ـ نبيه محمد صلى الله الله عليه وسلم في أعلى مقاماته في الدنيا
وهو الإسراء في بدايته ونهايته ، حيث قال : { سبحن الذي أسرى بعبده ليلاً } فكان من ربه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى
إلى عبده ما أوحى .
وكلمة : " عبد " تجمع على : " عباد " ، وهي في الأصل وصف غلبت عليه الاسمية ، كما ذكر ذلك السيوطي في " عقود الجمان "
و " عبد " له عشرون جمعا ؛ نظم ابن مالك أحد عشر في بيتين ، واستدرك عليه السيوطي الباقي في بيتين آخرين
قال ابن مالك :
عبـاد عبيـد جمـع عبـد واعبـد ** أعابـد معبـوداء مـعبـدة عُبَـد
كذاك عبدّان عبدان أثبتا ** كذلك العبدّي وامدد إن شئت أن تمد
وزاد السيوطي :
وقد زيد اعباد عبود عبدّة ** وخفف بفتح والعبدّان إن تشـد
واعبدة عبدون ثمة بعدها ** عبيدون معبوداً بقصر فخذ تسد
[فوائد في المركبات اللغوية والكلمات التي اشتهرت بصور مخصوصة في الاستعمال اللغوي]
..............................................................................................................................................................................................................................................................................
ـ ( أخول أخول) :حال مركبة مبنية على فتح الجزءين تركيب أحد عشر ،ضمنت معنى واو العطف ،بمعنى متفرقين ، نحو :
تساقطوا أخول أخول ، أي : متفرقين ،واحدا بعد آخر، فإن خرجت عن الحال امتنع التركيب وكانت مضافة .
ـ ( بيت بيت ) : حال مركبة تركيب أحد عشر مبنية على فتح الجزءين ن نحو : خالد جاري بيت بيت ـ أي : ملاصقا
فإن خرجت عن الحال أعربت بالإضافة وامتنع التركيب نحو : دخلت البلد بيت بيتِ وقد نقول :دخلت البلد بيتا بيتا
فتكون بيتا الأولى حالا والثانية توكيدا لفظيا لها ، ومثلها :قرأت الكتاب بابا بابا
ـ ( بُس بُس) : ـ مثلثة الباء ـ اسم صوت لزجر الإبل
ـ ( بخٍ بخٍ) : اسم فعل مضارع مبني على الكسر بمعنى " أستحسن " ،ويغلب استعمالها مكررة بالكسر والتنوين والفاعل مستتر
ـ ( بينَ بينَ) :ظرف مكان مركب مبني على فتح الجزءين في محل نصب حال مضمن معنى واو العطف إن أريد بها معنى الظرفية : نحو قول عبيد بن الأبرص : ـ يا ذا المخوّفنا بقتل أبيه إذلالا وحينا * نحمي حقيقتنا وبعض القوم يسقط بين بينا
أي :بين هؤلاء وبين هؤلاء فأزيلت الإضافة وركب الاسمان تركيب :أحد عشر أي :وبعض القوم سقط وسطا ، فإن خرجت عن الظرفية أعربت وأضيف الأول إلى الثاني بتنوين نحو : كنا ثلاثة جيران وكان بيتي بين بينٍ
ـ ( حيص بيص) يقال :وقعوا في حيص بيص ، أي :في حيرة وشدة وهو تركيب مبني على فتح الجزءين تركيب أحد عشر نحو قول أمية بن عائد :
ـ قد كنت خراجا ولوجا صيرفا * لم تلتحصني حيص بيص لحاص
وفيها لغات :حِيص بِيص ،حَيص بَيص ،وحاصٍ باصٍ ،وحيصا بيصا ،وحيصٍ بيصٍ .
ـ ( ذيت ذيت): كناية عن قول أو فعل لا يراد ذكره سواء أكانت بالتكرار أو بالعطف مبنية على الفتح أو على فتح الجزءين نحو :
قالت : ذيت ذيت ، وفعل ذيت ذيت .
ـ (شذر مذر) : حال مركبة مبنية على فتح الجزءين في محل نصب بمعنى متفرقين ،وكذلك : شغر بغر :بمعنى :منتشرين ، كقولك : تركت القوم شغر بغر .
ـ ( قاش ماش) : اسم صوت لحكاية قص القماش .
كلمة : [خاتم ] :ـ
تطلق على آخر الأمر ونهايته ، ومنه قول الله تعالى : ( خاتَم النبيين ) ؛ أي : آخرهم ، فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم
وفي الخاتم لغات : ذكرها صاحب " القاموس " و : " شرحه " ، فقال : الخِتَام ككتاب : الطين يختم به على الشيء ، والخاتم ـ بفتح التاء ـ : ما يوضع على الطينة ، وحَلْي للإصبع ،ّ كالخاتم ـ بكسرها ـ
والخاتَام ، والخيتام ـ بفتح الخاء ـ ، والخيتام ، بالكسر ؛والخَتَم ـ محركة ـ ، والخاتيام ، جمعه خواتيم ، وخواتيم فهي سبعة ، نقلها ابن سيده ، ما عدا الأخيرة ، واقتصر الجوهري على الخمسة الأولى ، وزاد ابن مالك : الخيْتم ، كحيدر ، وجمعها خمس لغات ، فقال :
في الخاتم الخيتم والخيتاما * يروون والخاتِمُ والخاتاما
ونظمها الحافظ العراقي بقوله :
خذ عدّ نظم لغات الخاتم انتظمت * ثمانياً ما حواها قبل نظّام
خـَاتَام خـاتَم خـتْم خـاتِم وخـِتـَا * مٌ خـاتيام وخـيتمٌ وخـَيْتـــام
وهمز مفتوحِ تاءٍ تاسع وإذا * سـاغ القياس أتمّ العشرخــأتام
كلمة : " ربّ "
متى أدخلت الألف والآم على " ربّ " اختص الله تعالى به ، لأنها للعهد ، وإن حذفا منه صار مشتركا بين الله وبين عباده ، فيقال : الله رب العباد ، وزيد رب الدار .
وللرب معان كثيرة أوصلها بعضهم إلى أربعة عشر معنى ، ونظمها بقوله :
قريـب مـحيط مـالك ومـدبر * مُربٍ كـثير الخير والمـُولِي للنـعم
وخالقنا المعبود جابر كسرنا * ومصلحنا والصاحب الثابت القدم
وجامعنا والسيد احفظ فـهذه * معــانٍ أتت للربّ وادعُ لـمن نظـم
تابع المركبات اللغوية :ـ
وكذلك ـ ( طاق ) : اسم صوت الضرب ويقال : طاخ
وكذلك ـ ( طق) : اسم صوت مبني على السكون لحكاية سقوط الحجر ، ومثله : ( قَب ) لوقوع السيف ؛ وهي ألفاظ استعملتها العرب :
1ـ لخطاب مالا يعقل من الحيوان أو صغار الإنسان نحو :
( عَدَ س) لزجر البغل ،وهلا للفرس ، وكخ للطفل ـ مثلثة ـ
2ـ حكاية صوت من الأصوات المسموعة ، نحو :
قَب لصوت السيف ، وطق لصوت الحجر ، وغاق لصوت الغراب ، و وِيه للصراخ على الميت
وهي ألفاظ جامدة لا ضمير لها ، وهي ليست أفعالا لعدم دلالتها على الحدث والزمان
وليست حروفا للاكتفاء بها ، و لكن لكثرة استعمالها اشتق من بعضها أفعال ومصادر فقالوا :
طقطق الحجر ، وجأجأت الإبل ، وسأسأت للحمار ، وحأحأت للضأن ، و عاعيت للماعز
كما قالوا : الجأجأة ، والسأ سأة والعيعاء ، قال الشاعر :
ـ يا عنز هذا شجر وماء * عاعيت لو ينفعني العيعاء
وأسماء الأصوات كلها مبنية لشبهها بأسماء الأفعال ، ومن أسماء الأصوات ( طيخ) اسم صوت الضاحك .
ـ ( كخ كخ) : بكسر الكاف وفتحها وتسكين الخاء وكسرها أيضا ، بتنوين وغير تنوين وهي اسم صوت يقال لزجر الصبي ولردعه عن شيء قذر .
ـ ( كفّة كفّة) : حال مركبة مبنية على فتح الجزءين ، بمعنى مواجها كقولك : لقيته كفة كفة .
ـ ( يومَ يومَ) : ظرف زمان مركب مبني على فتح الجزءين في محل نصب ، نحو :
ـ آتٍ الرزق يوم يوم فأجمل * طلبا وابغ للقيامة زادا
فإن خرج عن الظرفية تعينت إضافة الأول إلى الثاني منونا من غير تركيب قال الفرزدق :
ـ ولولا يومُ يومٍ ما أردنا * جزاءك والقروض لها جزاء ..........