من بلاغة القرآن الكريم في المدح والذم لشيخنا الهواري طالبي حفظه الله تعالى
إنّ إدراك الكلام البليغ لا يتأتّى إلا عن طريق الدراسة و البحث و التأمل، و من أجل ذلك جاء علم البلاغة ليكشف للدارسين عن العناصر البلاغية المميِّزة للكلام البليغ عن غيره، و ليس في الوجود كلام أبلغ من كلام ربّ العالمين؛ إذ لا نظم يدانيه على الإطلاق.قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت: ٤١ - ٤٢ ،
وقال أيضا: ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) الإسراء: ٨٨ ، و قال: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران: ١٣٨ ، و علم البلاغة هو السبيل إلى إثبات هذا التفوق و الإعجاز للنظم القرآني على سائر ما جادت به قرائح الفطاحل من الخطباء و الشعراء و غيرهم، و قد اهتم العلماء قديما و حديثا بدراسة بلاغة القرآن، و الكشف عن أوجه الإعجاز فيه من أجل أن تظهر للعالمين معجزة القرآن الخالدة؛ فتقوم الحجة على الجاهل، و تزول الشبهة عن المبطل، و يطمئن قلب المؤمن.
إن إعجاز القرآن الكريم يتمثل في قوة نظمه العجيب، و هو ما ذهب إليه منظِّر علم البلاغة الإمام عبد القاهر الجرجاني حيث قال بأن النظم البليغ هو أن يوضع الكلام وضْعه الذي يقتضيه علم النحو، و العمل وفق قوانينه و أصوله، و معرفة مناهجه فلا يُزاغ عنها، و لا يُخَلَّ برسومه التي رُسمت في وجوه كل باب و فروقه، و النظر في الجمل التي تسرد فيعرف موضع الفصل فيها من موضع الوصل، و يعرف فيما حقه الوصل، و موضع الواو من موضع الفاء، و موضع الفاء من موضع "ثم"، و موضع "لكن" من موضع "بل"، و معرفة كيفية التصرّف في التعريف و التنكير، و التقديم و التأخير في الكلام، و في الحذف و التكرار و الإضمار، فيوضع كلاًّ من ذلك مكانَه، و يستعمل على الصحة وعلى ما ينبغي ).(دلائل الإعجاز،ص:95،94).ولاشك أن أساليب القرآن الكريم كثيرة و متعددة، وعليه فإن صور بلاغته تتعدد بتعدد تلك الأساليب و تنوعها، و قد اخترت منها أسلوب المدح و الذمّ لأستجلي بعض أوجه بلاغته ي القرآن الكريم.
إن أساليب المدح و الذم في القرآن كثيرة و متنوعة، منها ما هو صريح و منها ما هو ضمني، و ليس ما جاء منها ضمنيا بأبلغ مما هو صريح، بل المعتبر في هذا هو مدى إثبات معاني الكلم لما تُثبَت له ويُخبَر بها عنه. وبالتتبع للنصوص القرآنية المتعلقة بموضمع المدح و الذم، و بالنظر في أقوال العلماء و المفسرين فيها نجد أن مناط الحسن و البراعة بها راجع إلى مجموعة من العناصر تتمثل فيما يلي:
1- تكرار اللفظ من أجل المبالغة في المدح أو الذمّ
قال تعالى: (فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) الحج: ٧٨. ولم يقل: نعم المولى و النصير مع ما فيها من الإيجاز، و فائدة التكرار هنا هي إرادة المبالغة و الإطناب في المدح و الزيادة فيه و تقويته، و كذلك الأمر في الذمّ، فحين ذم الله اليهود بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) آل عمران: ٢١. كرر لفظ (يقتلون) و ذلك من أجل المبالغة في تشنيع الجرم الذي ارتكبوه، و استفظاع الذنب الذي اكتسبوه، و لإشعار المخاطب أن اليهود قمم همج، مستكبرون على الحق لا يحبون العدل و القسط، و من أمثلة التكرار للتوبيخ، قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )الصف: ٢ – ٣.. هذه الآية في ذمّ الذين يخالف قولُهم فعلَهم وفعلُهم قولَهم، ومن أجل المبالغة في تقبيح هذه الصفة التي تستوجب غضب الله و مقته كرر قوله ما لا تفعلون)، قال ابن المنيِّر:"...و زائد على هذه الوجوه الأربعة وجه خامس، و هو تكرار قوله ما لا تفعلون)، و هو لفظ واحد في كلام واحد، و من فوائد التكرار:التهويل و الإعظام، و إلا فقد كان الكلام مستقيما لو قيل:كبر مقتا عند الله ذلك، فما إعادته هنا إلا لمكان هذه الفائدة الثانية و الله أعلم"[حاشية ابن المنير على تفسير الكشاف،مج4، ص:523].
2-التوكيد للمبالغة في المدح أو الذم
يستخدم أسلوب التوكيد - غالبا - حينما يكون المخاطب منكرا، أو منزلا منزلة المنكر، و عندما يمدح الله تعالى نبيه الكريم بقوله ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم: ٤ ، أو غيره من الأنبياء بقوله: (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) الصافات: ١٢٣. و قوله: (وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) الصافات: ١٣٣ ، أو يذمّ بعض أعدائه، كما جاء في ذمّ الوليد بن المغيرة: (كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا )المدثر: ١٦، فالأنبياء لا ينكرون أنهم مرسلون أو أنهم على خلق عظيم، و الوليد لا ينكر أنه معاند للحق بعدما تبين، فلم يبق إلا أن يقال: جيء بالتوكيد من أجل المبالغة في المدح أو الذم والتأثير على المخاطب، و لعلّ السّر في استخدام هذا الأسلوب في المدح و الذم هو أن المدح و الذم إنما يحسن إذا زال الشك من السامع فيما يمدح به أو يذم. قال الجرجاني:" و ذلك أن من شأن المادح أن يمنع السامعين من الشك فيما يمدح به، و يبادعهم من الشبهة، و كذلك المفتخر." [ دلائل الإعجاز، ص:138] .
3-إستخدام اللفظ الدال على المبالغة:
استخدمت في القرآن الكريم ألفاظ مقام المدح أو الذم أضْفتْ عليهما قوة في المعنى و زيادة في التأثير، و من ذلك قوله تعالىلَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ )المائدة: ٦٣ ، قال الزمخشري:"... لأن كل عامل لا يسمى صانعا، ولا كل عمل يسمى صناعة حتى يتمكن فيه و يتدرب و ينسب إليه، وكأن المعنى في ذلك أن مُواقع المعصية مع الشهوة التي تدعوه إليها و تحمله على ارتكابها، و أما الذي ينهاه فلا شهوة معه في فعل غيره، فإذا فرط في الإنكار كان أشد حالا من المواقع"[ الكشاف،مج1، ص:654]. إن هذه الآية تذمّ العلماء الذين يتهاونون في إنكار المنكر ذما أبلغ من ذم المواقعين له أنفسهم، حيث عبر في الآية الأخرى في ذم المواقعين للمنكر بلفظ العمل فقال تعالى: (لبئس ماكانوا يعملون) المائدة: ٦٢ ، و بالنسبة للعلماء عبر بلفظ الصناعة فجعل ترك الإنكار ليس مجرد عمل، بل صناعة للعلماء، و كأنهم بذلك تمكنوا في ترك المنكر و تدربوا عليه حتى صار وصفا لهم، ولهذا كانت هذه الآية من أشد الآيات في القرآن ذما للعلماء التاركين للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. (
قال الطبري:"و كان العلماء يقولون:ما في القرآن آية أشد توبيخا للعلماء من هذه الآية و لا أخوف عليهم منها."[الطبري،مج4،ج2،ص:93]. لا جرم أن هذه الآية مما يقُذّ السمع و ينعى على العلماء توانيهم. و انظر - رحمك الله- إلى المبالغة في الذم لتلك المقالة الشنعاء التي تفوّه بها من لم يقدر الله حق قدره بأن الله اتخذ ولدا - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- قال تعالى: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) الكهف: ، فوصف الكلمة بالخروج و فيه مبالغة ظاهرة حيث جعلها كالشيء له جرم يخرج، و في هذا استعظام لقبح تلك الكلمة حتى كأنها من عظمها و هولها فارقت جنس الكلام و صارت من جنس الأجسام. قال الزمخشري:"(تخرج من أفواههم) صلة لكلمة تفيد استعظاما لاجتراهم على النطق بها و إخراجها من أفواههم."[الكشاف،مج3،ص:354] .
4-أسلوب الحصر للمبالغة في المدح أو الذم
من أمثلته قوله تعالى على لسان النسوة اللاتي خرج عليهن يوسف (عليه السلام) فانبهرن بجماله فقلن في عجب: (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) يوسف: ٣١ ، و لم يقلن: هذا ملك كريم على سبيل التشبيه البليغ، و ذلك أنهن أوهمن السامع أن يوسف(عليه السلام) ملك على الحقيقة لا على التشبيه، فهذه هي فائدة الحصر هنا، فيوسف(عليه السلام) لا يكون إلا ملكا كريما و لا يكون شيئا آخر، فكأنه خلصت له صفات الملكية حتى لم يبق له من صفات البشرية شيء، وهذه-بلا شك- مبالغة عظيمة في مدحه بالجمال و الطهر و العفاف.
5-التنكير للتفخيم
إن التنكير نوع من الإبهام يكسب المدح و الذم قوة و فخامة، و من أمثلته قوله تعالى: ( أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) البقرة: ٥ ، قال القنوجي:"والإبهام المفهوم من التنكير في (هدى) لكمال تفخيمه، أي:على هدى أيّ هدى، لا يبلغ كنهه ولا يقادر قدره."[فتح البيان:مج1،ص:85]، و من ذلك أيضا قوله تعالى: ( هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) الجاثية: ١١.
قال الزمخشري:"(هذا) إشارة إلى القرآن...، أي: هذا القرآن كامل في الهداية، كما تقول: زيد رجل،تريد: كامل في الرجولية، و أّيما رجل."[الكشاف،مج4،ص:287].
6- التشبيه و التمثيل و التخييل
قال تعالى: )( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )الأعراف: ١٧٥ - ١٧٦. قال الشيخ مصطفى المراغي:" وإن جاء التمثيل في باب الذم كان وقعه أشد و حده أحد."[كتاب علوم البلاغة،ص:208]، في هذه الآية مثّل الله تعالى حال ذلك الحبر اليهودي الذي آتاه الله العلم فبدل أن يستفيد منه و يعمل به تركه و انسلخ منه و اتبع هواه فلم يعد ينفع فيه وعظ أو نصح، فصار كالكلب اللاهث في جميع أحواله، و في هذا تشبيه للأعلى بالأدنى، و هو جيّد في باب الذمّ.
قال ابن حجّة الحموي:" و من الشروط اللازمة في التشبيه أن يشبِّه البليغ الأدون بالأعلى إذا المدح، اللهم إلا إذا أراد الهجو فالبلاغة أن يشبه الأعلى بالأدنى.[خزانة الأدب،مج1،ص:383]، ومن استعمال أسلوب التمثيل في المدح قوله تعالى: (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) المطففين: ٢٦ . فإن أهل الجنة يسقون من رحيق مختوم، و هو من ألذ الأشربة، و معنى ختامه مسك، أي أن الختام الذي ختم به عن أن يداخله شيء يفسد لذته أو طعمه، أو أن الختام هو آخر الرحيق و حثالته،وأيا كان المعنى فلفظ المسك إما أن يكون مستعملا على الحقيقة، أو من باب التمثيل، بمعنى أن ختامه طيب كطيب المسك، وفي هذا من المبالغة في المدح مع الإيجاز ما فيه، و العرب من شأنها أن تشبه الشيء الطيب بالمسك.
قال الجرجاني:" و إذا وصفوا بغاية الطيب قالوا:"هو مسك."[دلائل الإعجاز،ص:389]، ومن أسلوب التخييل ما جاء من تشبيه المجهول بالمجهول، كما في قوله تعالى: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ) الصافات: ٦٢ - ٦٥. شجرة الزقوم شجرة تنبت في وسط النار، وهي غيب عنا، و طلعها كأنه رؤوس شياطين، والشياطين غيب أيضا، فإذا كان الغرض من التشبيه الإيضاح و البيان فكيف يشبه المجهول بالمجهول؟، والغيب بالغيب؟!، و ذلك في قانون البلاغة نقص و عيب، و الجواب عنه يكشف عن سر من أسرا البلاغة القرآنية عجيب، و لا يدع مجالا لريب مريب. إن الله شبه طلع شجرة الزقوم برؤوس الشياطين وهو تشبيه مبهم بمبهم، و هل يفسر الإبهامَ الإبهامُ؟! والجواب هو أن في ذلك الإبهام عين البيان؛ لأن الله لم يشأ أن يحدد البشاعة في شيء واحد نعرفه، ومعلوم أن القبح و البشاعة مما تختلف فيه الأنظار، فقد يكون الشيء قبيحا عند زيد غير قبيح عند عمرو، فلما قال تعالى: (رُءُوسُ الشَياطِينٍ) فإن الناس سيتوهمونها على اختلاف مذاهبهم، كلّ سيتوهمها بالبشاعة التي تفزعه، و عليه ستتعدد ألوان البشاعة، وهذا عين البيان،قال الزمخشري:" فيقولون في القبيح الصورة كأنه وجه شيطان، كأنه رأس شيطان، وإذا صوره المصورون جاؤوا بصورته على أقبح ما يقدر وأهوله."[الكشاف،مج4،ص:47،46 ].هذا غيض من فيض و قطرة من مطرة و ما ذكر أكثر بكثير مما لم يذكر، و لعل فيما ذكر غُنية عما لم يذكر، و حسبنا بالعقد ما أحاط بالعنق و بالسوار ما أحاط بالمعصم، و القرآن من أوله إلى آخره بمختلف أساليبه متميز بالقوة في البيان بما يعجز عن الإتيان بمثله إنس أو جانّ، لقد عجز عن مضاهاته العرب البلغاء و الجهابذة الفصحاء من الشعراء و الخطباء، فقد أدهشهم نظمه العجيب و أخرس ألسنتهم أسلوبه الغريب، حيث استمرت البلاغة فيه من جميع أنحائها في جميعه استمرارا لا يوجد له فترة و لا يقدر عليه أحد من البشر، فهو الكتاب الكامل الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، و لاغرو في ذلك، فالكمال لله وحده، لقد صار هذا القرآن إلى أقصى غايات البلاغة و الفصاحة، و انتهى إلى أبعد نهايات الحسن و الملاحة، ترى انسجاما فيه بين لألفاظه و معانيه، و لله در القائل فيه:
تزين معانيه ألفاظَه * * * و ألفاظُه زائنات المعاني
إن كتابا هذا شأنه لحري بالدراسة و النظر و الغوص في أعماقه و استخراج الدرر، ومن حق لغتنا العربية علينا أن ندرسها في ضوئه و تحت مظلته.وصلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه ومن تبعهم بإحسان و سلّم تسليما كثيرا.
كتبه/ محمد الديسطي
منتدي تويو