محمد الديسطي عضو نشيط
المشاركات : 243
| موضوع: الشعر, مذمومه ومحموده في منظور الإسلام السبت يونيو 22, 2013 4:47 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله أمَّا بعد:
فهذا مقالٌ نُشِر بمجلة "منابر الهدى" الجزائرية, لعددها السابع (ذو القعدة/ذو الحجة 1422 ه), أحببتُ إدراجَه هنا لأهميته.
الشعر مذمومه ومحمودُه في منظور الإسلام
إنَّ الشِّعر في نظر النُّقَّاد كلامٌ موزونٌ ومُقفًّى يُعبِّر عن تجربة شُعورية في صورة موحية, فمدارُ الحُسن والقُبحِ فيه يكمُنُ عندهم في روعةِ الصُّورة وظلالِ العبارة وعُمقِ اللمسة, ومتانة الأسلوب, ودفق الخيال, لكن هل تتَّفقُ هذه النَّظرةُ ونظرة الإسلام إليه؟ سؤالٌ أجاب عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: ((الشعرُ بِمَنزِلةِ الكلام, حَسَنُه كحَسَنِ الكلام وقبيحُه كقبيحِ الكلام)) [الصحيحة (448)].
إذن فمدارُ الحُكم فيه إنَّما يكونُ على المدلولِ والأثر لا على صورة الشكل وكُنه الصيغة, وقد جعَله النبي صلى الله عليه وسلم رفيقًا مُلازِمًا لحركة الدَّعوة, يرصد ما تمُرُّ به الأُمَّة الإسلامية مِن أحداث, ويشارِكُ في تشييدِ بناء المجتمع المسلم, لكونِه من أمضى الأسلحة في مُقارعة الخصوم وكبح جوامِحه.
وكان صلى الله عليه وسلم يعُدُّ شعر هؤلاء جهادًا في سبيل الله كالجهاد بالسَّيف والمال, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحثُّ حسَّان على مقارعة المشركين ويدعو له أن يكون جبريلُ عليه السلام سندَه وعضُدَه, فعن البراء بن عازب رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال يوم قريظة لحسَّان: ((اُهجُ المشركين فإنَّ جبريل معك)) [ أخرجه البخاري ومسلم ].
لكن مع كُلِّ هذا فقد وردَت أحاديثُ مُتعدِّدة تدُلُّ على كراهية النبي صلى الله عليه وسلَّم للشِّعر في بعضِ حالاتِه ونهيِه عن إنشادِه وخاصَّةً في المساجد.
وحسبُنا في ذلك حديثًا واحِدًا صوَّر لنا أنَّ امتِلاء الجوف قيحًا وصديدًا أفضل من امتلائه بالشعر.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لأن يمتلئ جوفُ أحدِكُم قَيحًا خيرٌ مِن أن يمتلئ شِعرًا)) [البخاري ومسلم].
وهذا النمط من الشعر هو الذي لا يُبشِّرُ بخير ولا ينُمُّ عن فضيلة, شِعرٌ ساقِط المعنى خبيثُ الهدف فاسد الدلالة والفكرة, يلوكُ الأعراض المصونة, ويهتِك الحرمات الظاهرة, كأن يكون غزلا فاحِشًا, أو يكون هِجاءً مقذعًا جائرًا لا يرعوي قائلُه عن إلصاق أبشَعِ الصفات وأقبحِ الخصال بمن هو أرفع مِن أن تنالهم أصابع الاتهام, كقول من قال:
هو الكلبُ وابن الكلبِ والكلبُ جدُّه *** ولا خيرَ في كلبٍ تناسَلَ مِن كلب
أو يكون مدحًا كاذِبًا لا يخرج عن دائرة النفاق, ولا يتعدَّى نِطاقَ التزلُّف والتملُّق الباهت.
ذلكم هو الشعر المذموم المستبعد من دائرة الحسّ الإسلامي وتصوُّرِه, وتلك هي صفاته وتوجُّهاته, وما عداه هو الشِّعر المحمود الذي كان سلفُنا الصَّالح رضوان الله عليهم أجمعين على معرفةٍ تامَّةٍ بِأهميتِه, هذا اللونُ هو الذي اتَّخذَ مِنه الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بلسمًا يشحذُ في نفسِه كلّ طاقات الشجاعة ويستثيرُ فيه روحَ المغامرة حين مُنازلتِه (مرحب) ملك يهود خيبر. قال علي:
أنا الذي سمَّتني أُمي حيدره *** كَلَيثِ غاباتٍ كريهِ المنظره أوفيهِموا بالصَّاع كسعي السَّندره
وهو اللون الذي خلَّد خبيب بن عدي رضي الله عنه قصة استشهاده على يد مشركي مكة وجلَّاديها. فقال:
فلستُ أُبالي حين أُقتلُ مُسلِمًا *** على أيِّ شقٍّ كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصالِ شلو ممزَّع. [القصة في صحيح البخاري].
إنَّه الشعر الذي قال فيه النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من الشعر لحِكمة)). [أخرجه البخاري]
لذا فإنَّ الله تبارك وتعالى يبارك كُلَّ يدٍ نظيفةٍ ولسانٍ عفٍّ وجهدٍ نافع وفكر سليم, ذلك أنَّ كُل شعر لا يُصادِمُ شيئا من المفاهيم الإيمانية من قريب أو بعيد, فإنَّه لا يخرُج - بحال - عن دائرة الشِّعر المباح الذي تشملُه جملةُ الأحاديث النبوية الشريفة بالمدح, أو تكتنِفُه بِعين الرضا والقَبول. | |
|