بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
هذا تفريغ لمحاضرة منهجية مهمة حري بكل سلفي أن يسمعها والتي هي بعنوان ( شرح أثر ابن سيرين رحمه الله إن هذا العام دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ) ألقاها فضيلة الشيخ أحمد بن عمر بازمول حفظه الله
قال الشيخ الفاضل أحمد بن عمر بازمول حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ومَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد:
فهذه محاضرة بعنوان شرح قول الإمام ابن سيرين:إن هذا العلم دين، وهذه المحاضرة سأبنيها بإذن الله عز وجل على العناصر التالية
الأول: مقدمة في بيان أهمية الموضوع.
والثاني:ترجمة الإمام محمد ابن سيرين رحمه الله تعالى.
والثالث:تخريج هذا القول ومن نقل عنه مثل قوله.
والرابع:التعريف بالعلم المراد في قول ابن سيرين.
والخامس:ما الدليل على كلام ابن سيرين.
والسادس:ما تضمنه قول ابن سيرين رحمه الله تعالى من الفوائد والمعاني.
والسابع:شبهات حول هذا الموضوع.
وخلاصة هذه الموضوعات تعود إلى بيان من يؤخذ منه العلم ومن لا يؤخذ منه العلم.
فأولا أقول مستعينا بالله عز وجل أهمية هذا الموضوع تظهر في الأمور التالية:
الأمر الأول:أن الله عز وجل أمرنا بذلك حيث قال عز وجل فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ فأمرنا الله عز وجل بسؤال أهل الذكر وأهل الذكر كما بين ذلك السلف الصالح هم العلماء فتخصيص الله عز وجل العلماء بالسؤال دليل على أن غيرهم لا يسأل وكذا ما أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قوله عز وجل هُوَ الَذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ ومَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاَّ اللَّهُ
فقال عليه الصلاة والسلام فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم
ففي هذا التحذير من قوم يتصدرون للعلم والتدريس والفتيا ولابد من معرفة حالهم
يقول النووي:في هذا الحديث التحذير من مخالطة أهل الزيغ وأهل البدع ومن يتبع المشكلات للفتنة فلا يجاب بل يزجر ويعزر كما عزر عمر رضي الله عنه صبيغ حين كان يتبع المتشابه. انتهى
الأمر الثاني: تظهر أهمية هذا الموضوع لبقاء العلم غظا طريا فتأخذه كل جماعة عن من قبلها فلو لم يؤخذ العلم عن العلماء ضاع العلم كما أخرج البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى عن عبد الله ابن عبيد ابن عمير قال إن العلماء إذا أدركهم المتعلمون فني العلماء وبقي العلم غضا عند المعلمين فإذا لم يدركهم المتعلمون ذهب العلم ولا يقال إن بقاء الكتب بقاء للعلم كما سيأتينا إن شاء الله عز وجل في موضعه.
الأمر الثالث: أن العلم إذا لم يؤخذ من أهله نزع من الأرض، لأن العلماء ببقائهم بقاء العلم والله عز وجل ينتزع العلم انتزاعا من صدور العلماء ولكن ينتزع العلم بانتزاع العلماء كما في حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأتوا بغير علم فضلوا وأضلوا
وجه كون العلم يقبض يقبض العلماء أمه لا نبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكانت الأمم قبلنا تسوسهم أنبيائهم إذا مات نبي خلفه نبي أما محمد صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ولكن العلماء ورثة الأنبياء فالعلماء هم الورثة لما تركه النبي صلى الله عليه وسلم من العلم فإذا مات العلماء ولم يؤخذ عنهم العلم مات العلم بموتهم، قال البخاري رحمه الله تعالى في الصحيح في كتاب العلم باب كيف يقبض العلم، وكتب عمر ابن عبد العزيز إلى أبي بكر ابن حزم انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه فإني خفت دروس العلم ـ دروس العلم يعني خفاؤه وذهابه ـ وذهاب العلماء ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولتفشوا العلم يعني لتنشروه ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا
الأمر الرابع :مما يظهر أهمية هذا الموضوع أن بقبض العلم يظهر الجهل وتظهر الفتن والقتل كما أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج قيل يا رسول الله وما الهرج قال هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل.
الأمر الخامس: أن الناس محتاجون للعلم أكثر من احتياجهم للطعام والشراب قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب قال لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرتين أو ثلاثة والعلم يحتاج إليه في كل وقت.
الأمر السادس: أن من لا يؤخذ عنهم العلم قطاع طريق لوصول الثواب إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى قال من دعى الأمة إلى غير أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عدوه حقا لأنه قطع وصول أجر من اهتدى بسنته إليه وهذا من أعظم معاداته نعوذ بالله من الخذلان. انتهى
الأمر السابع :أن الخطأ في هذه المسألة أعني التمييز بين من يؤخذ منه العلم ومن لا يؤخذ منه العلم يترتب ويتسبب عنه ضرر كبير جدا ومفسدة بالغة قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :الغلط في أمور الشرع يترتب عليه ضرر عظيم بالنسبة للأمة وقال الشيخ الفوزان حفظه الله تعالى :أصحاب البدع والأفكار الهدامة يجب على الشباب الابتعاد عنهم لأنهم يسيئون إليهم ويغرسون فيهم العقائد الفاسدة والبدع والخرافات ولأن المعلم له أثر على المتعلم فالمعلم الضال ينحرف الشاب بسببه والمعلم المستقيم يستقيم على يديه الطلبة والشباب فالمعلم له دور كبير فلا نتساهل في هذه الأمور
الأمر الثامن مما يدل على أهمية هذا الموضوع :أن الذين لا يؤخذ منهم العلم لأهل الأهواء والبدع وغيرهم يحذرون من العلماء الذين يجب أخذ العلم منهم بالباطل ويصفونهم بأوصاف شنيعة ويصفون أهل الأهواء والبدع بأوصاف جميلة مع دفاعهم عنهم فهم يتكلمون بالباطل، ألا نتكلم بالحق، قال الشيخ العلامة أحمد ابن يحيى النجمي حفظه الله تعالى كما أن الحزبيين يحذرون من أهل السنة فكذلك أهل السنة ينبغي لهم أن يحذروا من الحزبيين ويحذروا منهم.
وأضرب لكم مثالا على تحذير الحزبيين من العلماء السلفيين وهذا المثال موجود في مجلة تدعى بمجلة الفتيان العدد الرابع والخمسين سنة 1424 يقول كاتبه محمد العوضي كنت بين المغرب والعشاء في زيارة للأستاذ المفكر الإسلامي محمد قطب وكونه إلى آخره قال سألته يا أستاذ من وجوه النظر التربوية ما رأيك في منهجية وإرشادات الداعية عمرو خالد فقال إنه يملك موهبة فذة وظفها في خدمة دينه ـ هذا محمد قطب ـ قلت له بعض الناس يرى انه ليس عالما ومن ثم لا يجوز أن يأخذ هذا الحجم من الانتشار فقال محمد قطب كثير من العلماء عبارة عن خزانة معلومات مغلقة أو نسخة من مكتبة وهذا الداعية لم يقل أنه فقيه إلى آخر الترهات فانظروا رحمكم الله كيف صور العلماء السلفيين الماشين والسائرين على منهاج النبوة الوارثين لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الدعوة والتعليم والإرشاد والدلالة إلى الخير، صورهم بأنهم خزانة مغلقة وصور رجلا ليس من أهل العلم ولم يثني ركبته في طلب العلم بل تكلم العلماء عنه وحذروا وأنه رجل ورجل فهذا مثال واضح على تحذير أهل الأهواء والبدع من أهل السنة وعلى مدحهم لأهل الأهواء والبدع وإلا فمثل عمرو خالد قد حذر منه جماعة من أهل العلم باعتبار أمور:
الأمر الأول: أنه لم يعرف بطلب العلم.
الأمر الثاني: أنه جاهل بالعلم الشرعي وسيأتينا إن شاء الله ما يتعلق بالجهال وكلامهم في العلم الشرعي
الأمر الثالث: أنه فاسق فهو حالق للحيته ويلبس لبس الإفرنج وينظر و يتباسط في الكلام مع النساء ويجوّز اختلاط النساء بالرجال ويفتي و يفتي بخلاف ما يقول محمد قطب إنه لم يقل أنه فقيه هو يفتي، يفتي بجواز ما هو عليه وتعلمون أنهم جوّز حلق اللحية من باب مصلحة الدعوة فواحدة من هذه الأمور تكفي لعدم أخذ العلم عنه فما بالك بأمور مجتمعة في هذا الرجل.
إذا هذه بعض الأمور التي تظهر أهمية هذا الموضوع.
الموضوع الثاني :محمد ابن سيرين الأنصاري أبو بكر رحمة الله عليه من أئمة التابعين ولد سنة واحد وثلاثين وتوفي سنة مائه وعشرة ،لقي ثلاثين صحابيا وأخذ عنهم العلم واختص بأنس فهو مولى له وأخذ عن أبي هريرة رضي الله عنه وشهد له أهل العلم والفضل بالعلم والديانة والعدالة فقال عنه ابن معين وأبو زرعة: محمد ابن سيرين ثقة وقال ابن سعد رحمه الله تعالى كان ثقة مأمونا عاليا رفيعا فقيها إماما كثير العلم ورعا وقال ابن خراس: محمد ابن سيرين ويحيى ابن سيرين ومعبد ابن سيرين وأنس ابن سيرين وحفصة بنت سيرين هؤلاء الإخوة كلهم ثقاة وقال ابن جرير الطبري: كان ابن سيرين فقيها عالما ورعا أديبا كثير الحديث صدوقا شهد له أهل العلم والفضل بذلك وهو حجة
وقد تتابع ثناء العلماء ووصف بأنه عالم في الفرائض والقضاء والحساب وأنه كان رحمه الله تعالى فقيها، هذا الإمام رحمه الله تعالى له أقوال فذة تدل على علميته وعلى سلفيته وعلى تأصله في العلم الشرعي من ذلك ما أخرجه الدارمي عن ابن سيرين أنه قال :كان يرونه ـ يعني الرجل وطالب العلم أو العالم ـ كانوا يرونه أنه على الطريق ما دام على الأثر أي ما دام أنه متمسك بالأثر فهو على الطريق الصحيح الموصل إلى الجنة وأخرج اللالكائي عن محمد ابن سيرين أنه قال: لو خرج الدجال لرأيت أنه سيتبعه أهل الأهواء وأخرج اللالكائي عن إسماعيل قال دخل رجلان على محمد ابن سيرين من أهل الأهواء فقالا يا أبا بكر نحدث بحديث قال لا قالا فنقرأ عليك آية من كتاب الله قال لا قال تقومان عني وإلا قمت فقاما الرجلان فخرجا فقال بعض القوم ما كان عليك أن يقرأ آية قال إني كرهت أن يقرآ آية فيحرفاها فيقر ذلك في قلبي وهذا الموقف السلفي موقف عظيم ينبغي لطلاب العلم أن يتنبهوا إليه، هذا محمد ابن سيرين مع إمامته في الدين لا يرضى أن يسمع من أهل البدع حتى نصا قرآنيا، فما بال بعض لسلفيين يقولون نسمع من أهل الأهواء أو نسمع من هؤلاء الحزبيين ونأخذ الحق ونترك الباطل وما بال بعض المسلمين الذين لم يتأهلوا ولا يستحقوا أن يسموا أصلا أنهم طلاب علم فضلا على أن يكونوا علماء يقولون نسمع من ذا وذا ونأخذ الحق ونترك الباطل، محمد ابن سيرين رحمه الله تعالى كان إمام فذا ومع ذلك لم يرضى أن يسمع من أهل الأهواء والبدع آية قرآنية وأيضا ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء :أن رجلا سأل ابن سيرين ما ترى في السماع من أهل الأهواء قال لا نسمع منهم ولا كرامة ما لهم كرامة أهل الأهواء والبدع عند أهل العلم فساق وهم أشد فسقا من أصحاب الكبائر عند أهل العلم إلى غير ذلك من أقواله رحمه الله تعالى.
الموضوع الثالث: تخريج هذا القول
قول الإمام محمد ابن سيرين رحمه الله تعالى أخرجه الإمام مسلم في المقدمة، في مقدمة صحيحه أنه قال إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم وقد رواه عن ابن سيرين جماعات يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى :ابن سيرين هو أول من انتقد الرجال وميز الثقاة من غيرهم وقد روي عنه من غير وجه أنه قال إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم قال يعقوب ابن شيبة قلت ليحيى تعرف أحدا من التابعين كان ينتقي الرجال كما كان ابن سيرين ينتقيهم فقال برأسه أي لا وكان علي ابن المديني كان ـ أي ابن سيرين ـ ممن ينظر في الحديث ويفتش عن الإسناد ولا نعرف أحدا أول منه ثم كان أيوب وابن عون ثم كان شعبة ثم كان يحيى ابن سعيد وعبد الرحمان هذا كله كلام ابن رجب رحمه الله تعالى
يقول ابن رجب :وجاء مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم لكنه كما قال ابن رجب لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول وجاء أيضا عن بعض الصحابة أنهم قالوا إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم جاء عن أبي هريرة وجاء عن علي بن أبي طالب وجاء عن أنس ولكن الأسانيد إليهم ضعيفة، جاء عنهم أنهم قالوا إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ولكنها ضعيفة كما قال ابن رجب أقول جاء هذا القول عن أئمة التابعين وأتباعهم جاء عن الإمام مالك رحمه الله تعالى أنه قال لبعض أصحابه :اتق الله وانظر ممن تأخذ هذا الشأن أي العلم
ويقول ابن أبي أويس سمعت خالي مالك ابن أنس يقول إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم لقد أدركت سبعين ممن يحدث قال فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الأساطين وأشار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لقد أدركت سبعين فما أخذت عنهم شيئا وإن أحدهم لو ائتمن على بيت المال لكان أمينا لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن.
وأيضا جاء عن أنس ابن سيرين أخو محمد ابن سيرين
أخرج ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل عن حماد ابن زيد رحمه الله تعالى أنه قال دخلنا على أنس ابن سيرين في مرضه فقال اتقوا الله يا معشر الشباب وانظروا عمن تأخذون هذه الأحاديث فإنها دينكم وجاء عن الضحاك ابن مزاحم وصح عنه أخرجه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل أنه قال إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه أيضا جاء عن ابن عون وعن عقبة ابن نافع وعن الشعبي وعن الأوزاعي وعن زيد ابن أسلم وعن عبد الرحمان ابن يزيد وعن إبراهيم وعن أبي الزناد وعن غيرهم كل هؤلاء نقل عنهم مثل قول ابن سيرين فهو إجماع واتفاق بينهم.
الموضوع الرابع: التعريف بالعلم المراد في قول ابن سيرين رحمه الله تعالى، المراد بالعلم في قول ابن سيرين إن هذا العلم دين هو العلم الشرعي الذي يتقرب به العبد إلى الله عز وجل وذلك يتمثل في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على فهم سلف الأمة قال سفيان الثوري: إنما العلم كله العلم بالآثار أي المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وقال أبو حاتم الرازي: العلم عندنا ما كان عن الله تعالى من كتاب ناطق وناسخ غير منسوخ وما صحت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا معارض له وما جاء عن الألباء من الصحابة مما اتفقوا عليه فإذا اختلفوا لم نخرج من اختلافهم
وقال الشافعي رحمه الله تعالى :العلم ما نص في الكتاب أو السنة أو في الإجماع فإن لم يوجد في ذلك فالقياس على هذه الأصول ما كان في معناها.
الموضوع الخامس: ما الدليل على كلام ابن سيرين: ابن سيرين رحمه الله تعالى يقول إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم طبعا مر معنا فيما سبق نقولات تدل على قوله من الكتاب والسنة وأيضا من أقوال السلف فهو قول لم يتفرد به ابن سيرين رحمه الله تعالى أما كون العلم دين فهذا واضح من قوله عز وجل اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ومراده سبحانه وتعالى أكملت لكم ما يتعلق بالعقائد والأحكام فهي كاملة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضا يدل عليه حديث معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
وأما قوله فانظروا عمن تأخذون دينكم هذا يدل عليه ما سبق من قوله تعالى فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأوليائكم الذين سمى الله فاحذروهم وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم ألا سألوا إذ جهلوا إنما شفاء العي السؤال وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
إذا هذه الأدلة ومع الأدلة التي سنذكرها إن شاء الله في مواضعها من الكلام الآتي كلها تدل دلالة واضحة على أن قول الإمام محمد ابن سيرين رحمه الله تعالى مبني على ما فهمه من الصحابة رضي الله عنهم وما فهمه من الكتاب والسنة بل هذا دأب السلف رضوان الله عليهم أنهم كانوا متبعين لا مبتدعين لا يأصلون أصولا من تلقاء أنفسهم بل يرجعون إلى الأصول المعتمدة من كتاب ربنا وسنة نبينا وما نقل عن سلف هذه الأمة.
الموضوع السادس: ما تضمنه قول ابن سيرين رحمه الله تعالى من الفوائد والحكم، قول ابن سيرين رحمه الله تعالى تضمن عدة فوائد أجملها سريعا :
الفائدة الأولى: ما المقصود من العلم.
الفائدة الثانية: حرمة الكلام في مسائل العلم.
الفائدة الثالثة: وجوب الاختيار والانتقاء للمشائخ الذين يتلقى منهم العلم.
الفائدة الرابعة: التمييز بين المتصدرين للعلم.
الفائدة الخامسة: من الذي يؤخذ منه العلم.
الفائدة السادسة: من الذين لا يؤخذ منهم العلم.
الفائدة السابعة: يستوي في ذلك كله السماع والحضور والقراءة والصحبة وأي نوع من أنواع التلقي.
الفائدة الثامنة: كيف تعرف من يؤخذ منه العلم ومن لا يؤخذ منه العلم.
إذاً هذه هي الفوائد المستنبطة والمستخرجة من كلام ابن سيرين رحمه الله تعالى وسنقف عليها فائدة فائدة
الفائدة الأولى: من المقصود من العلم ؟ هل المقصود من العلم تكثير المعلومات وتكبير الرأس بحشوه من المعلومات ؟ هل الفائدة من العلم أن يتصدر الإنسان للناس ويتفرد بذلك فيقول أنا لازم أجمع وأدرس أشياء كثيرة حتى أكون متفردا فيرجع إلي الناس ويتخذوني رأسا ؟ ما المقصود من العلم ؟ المقصود من العلم أن تعبد الله عز وجل على بصيرة وأن تحصل لك الخشية والخوف من الله عز وجل وأن تتبع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وليس المراد من العلم تكثير المعلومات
أخرج ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله أنه عن الثوري أنه قال إنما يطلب الحديث ليتقي الله به فلذلك فضل على غيره من العلوم ولولا ذلك كان كسائر الأشياء فبين سفيان الثوري رحمه الله تعالى أن العلم يقصد به أن يعبد الله العبد على بصيرة وعلى خشية قال إنما يطلب الحديث ليتقى الله به لتعلم كيف تعبد الله عز وجل قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أي على علم وحجة ونور من الله عز وجل فلا تدعو إلى الله على جهالة أو على ضلالة
وأيضا أخرج الرامهرمزي في المحدث الفاصل عن مالك ابن أنس أنه قال ليس العلم بكثرة الرواية ولكنه نور يجعله الله في القلوب
وقد فسر هذه اللفظة أحمد ابن صالح المصري بقوله :معناه أن الخشية لا تدرك بكثرة الرواية وإنما العلم الذي فرض الله عز وجل أن يتبع فإنما هو الكتاب والسنة وما جاء عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
وقال قوام السنة وفي كتاب الحجة: ليس العلم بكثرة الرواية وإنما هو الإتباع والاستعمال ، يقتدي بالصحابة والتابعين وإن كان قليل العلم ومن خالف الصحابة والتابعين فهو ضال وإن كان كثير العلم وهذا قوله عظيم لابد أن نتدبره ، يقول ليس العلم بكثرة الرواية وكثرة المعلومات إنما هو الإتباع ، إذا أردت العلم الصحيح العلم الممدوح أصحابه هو العلم المبني على الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة يقول وإن كان قليل العلم قد يكون الرجل متبعا للكتاب والسنة على فهم سلف الأمة وعلمه قليل فهذا الرجل هو الذي تقصده بالتعلم منه والتلقي عنه ولا يخدعك الشيطان بأن علمه قليل لأنه بإتباعه للكتاب والسنة وفهم سلف الأمة هو كبير رغم أنوف أهل البدع والأهواء ، أليس الحق المبني على الكتاب والسنة كبيرا إيه والله إنه لكبير ولكن الجاهلون ينظرون إليه ويستصغرونه لأنهم نظروا إلى الأدلة من الكتاب والسنة فاستصغروها واستعملوا عقولهم العفنة وقلوبهم الوسخة فقدموها على نصوص الكتاب والسنة.
جاء في العلل ومعرفة الرجال عن الإمام أحمد عن بعض السلف أنه قال رأيك ورأيي إذا خالف كتاب الله وسنة رسول الله فضعه في الحش ـ إي في مكان القاذورات أكرمكم الله ـ لماذا؟ لأن الرأي المخالف للكتاب والسنة ملعون الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه فالرأي المخالف للكتاب والسنة هل هو من ذكر الله هل هو من ما والاه ؟ هو ممن خالفه فهو ملعون لا خير فيه
ولذلك قال قوام السنة ومن خالف الصحابة فهو ضال وإن كان كثير العلم كان بعض زملائي في طلب العلم ولازلت في طلب العلم والحمد لله كان بعض إخواني ممن كنت أتخذه أخا لي في طلب العلم وكان يظهر السنة حينها كان يدرس على بعض أهل الأهواء والبدع وكنت أقول له يا فلان اتق الله هؤلاء أهل الأهواء والبدع، السلف الصالح كانوا أعلم منا وأبصر منا وأفقه منا في دين الله عز وجل حينما حذرونا عن أهل الأهواء والبدع كيف تتلقى عنهم ؟ وكيف تأخذ عنهم ؟ فكان يقول أنا آخذ منه العلم ومالي وبدعه؟ وكان يقول يا أخي إنه كثير المعلومات في الأصول والفقه وفي كذا كثير المعلومات كثير المعلومات، ليست كثرة المعلومات مربطا للفرس في طلب العلم إنما مربط الفرس في طلب العلم إتباع الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة ،فهذا الرجل من أهل الأهواء والبدع صاحب المعلومات الكثيرة بكثرة معلوماته هو حقير ذليل في ميزان الشرع ولا تنفعه كثرة المعلومات كما قال قوام السنة هنا ولذلك المراد بالخشية الموروثة عن العلم أو الخشية التي تحصل للعلماء هي الخشية الحاصلة من العلم الشرعي من التفقه في الكتاب والسنة تفقه في المسائل العلمية والمسائل العملية على فهم سلف الأمة ولذلك أثنى الله عز وجل على العلماء حين قال إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ
الفائدة الثانية: حرمة الكلام في مسائل العلم، ابن سيرين ماذا يقول إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم
طيب إذا كان العلم والكلام في العلم من الدين هل يجوز لكل رجل أن يتصدر في الناس وأن يتكلم في دين الله عز و جل؟
قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنَ والإثْمَ والْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ
يقول بعض السلف رتب الله عز وجل في هذه الآية المحرمات من الأقل أو من الأدنى فالأعلى فالأشد قل إنما حرم ربي الفواحش، الفواحش من زنى ونحو ذلك محرمة تليها ـ قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنَ ـ أي الظاهرة والباطنة والإثم والبغي والظلم و....و..... إلى آخره وآخر شيء وأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ، ما قبلها وأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانا
أيهما أعظم الشرك بالله أو القول على الله بغير علم ؟ قال السلف القول على الله بلا علم أشد عند الله من الشرك لماذا ؟ قالوا لأن المشرك إنما يضل في نفسه وأما القائل على الله بلا علم فإنه يضل أهل الأرض واضح فلذلك كان القول على الله عز وجل من أشد المحرمات عند العلماء، يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ليس لأحد أن يقول في شيء حلال ولا حرام إلا من جهة العلم، وجهة العلم ما نص في الكتاب أو السنة أو في الإجماع فإن لم يوجد في ذلك فالقياس على هذه ما كان في معناها
أخرج مسلم في مقدمة الصحيح عن أبي عقيل قال كنت جالسا عند القاسم ابن عبيد الله ويحيى ابن سعيد فقال يحيى للقاسم يا أبا محمد إنه قبيح على مثلك عظيم أن تسأل عن شيء من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم ولا مخرج فقال له القاسم وكان فقيها وعم ذاك قال لأنك ابن إمامي هدى ـ ابن أبي بكر من جهة أمه وعمر فمن جهة أمه، أمه من أحفاد أبي بكر رضي الله عنه ومن جهة أبيه أبوه من أحفاد عبد الله ابن عمر رضي الله عنهم جميعا ـ قال فقال له القاسم أقبح من ذاك عند من عقل عن الله أن أقول بغير علم أو آخذ عن غير ثقة قال فسكت فما أجابه، فبين له أنه أعظم من ذاك أن أتقول عن الله عز وجل ما لم يقل ومن تكلم في دين بلا علم فهو آثم أصاب الحق أو أخطأ.
أخرج الإمام أحمد في المسند وابن ماجه في السنن والدارمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أفتي فتيا بغير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه
وأخرج الدارمي في السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال من أفتى بفتيا يعمى عليها فإثمها عليه، قال الشافعي: من تكلف ما جهل ولم يثبته معرفة كانت موافقته للصواب وإن وافقه من حيث لا يعرفه غير محمودة والله أعلم وكان بخطئه غير معذور إذا ما نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب فيه وكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية نحوه وكذا الشيخ الشيخ الفوزان نحوه، يقول الشيخ الفوزان حفظه الله تعالى :الجاهل أو المبتدأ في طلب العلم ليس له اجتهاد ولا يجوز له أن يجتهد وهو آثم باجتهاده أخطأ أو أصاب لأنه فعل ما ليس له فعله
ولذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل في بعض المسائل فقال لا أدري مثل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن تبع أنبي ؟ فقال صلى الله عليه وسلم ما أدري تبع أنبيا كان أم لا، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم الموحى إليه من الله يقول لا أدري ألا يسع العلماء وطلاب العلم فضلا عن عامة الناس والجهال أن يقولوا فيما لا يعلمون لا نعلم والله إنه لواجب عليهم، ولذلك كان السلف يأمرون طلاب العلم بل حتى العلماء يأمرونهم بأن يقولوا لا أعلم وإليكم بعض النصوص في ذلك
يقول علي رضي الله عنه وهذا ثابت عنه :لا يستحي عالم إن لم يعلم أن يقول الله أعلم
وأخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال يا أيها الناس اتقوا الله من علم منكم شيئا فليقل بما يعلم ومن لا يعلم فليقل الله أعلم فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم
وقال سعيد ابن جبير ويل للذي يقول لما لا يعلم إني أعلم
وقال الشعبي :لا أدري نصف العلم
وقال محمد ابن سيرين رحمه الله تعالى :لئن يموت الرجل جاهلا خير من أن يقول ما لا يعلم
وقال ابن عجلان :إذا أغفل العالم لا أدري أصيبت مقاتله.
الفائدة التي تليها وجب اختيار وانتقاء للمشايخ الذين يتلقى عنهم العلم لأنه قال فانظروا أو تأملوا ممن تأخذون منه العلم ولذلك أخرج الدارمي في السنن عن إبراهيم أنه قال: كانوا إذا أتوا الرجل يأخذون عنه العلم نظروا إلى صلاته وإلى سمته وإلى هيئته ثم يأخذون عنه العلم وفي رواية فإذا رأوه يخل بشيء من صلاته قالوا هو لئن يخل بغيرها أولى فيتركونه ولا يأخذوا منه شيئا.
الفائدة التي تليها: التمييز بين المتصدرين، نستفيد من قول ابن سيرين حينما قال فانظروا عمن تأخذون دينكم :أن المتصدرين لتعليم الناس كثر فأمرنا أن نميز بينهم وأن نفرق بينهم يقول خطيب :ليس كل من ادعى العلم أحرزه ـ أي أصابه ـ ولا كل من انتسب إليه كان من أهله. أهـ
فليس كل من تصدر للناس وتكلم بين أيديهم أهلا لأن يكون عالما وهذا دليل على أن المتصدرين على طبقات وأنواع فمنهم طبقة العلماء المجتهدين أهل الفتوى والمرجع في الموازن العامة ومنهم طلاب العلم ومنهم طبقة طلاب العلم الذين لم يبلغوا درجة العلماء ومنهم العوام الذين تعلموا شيئا يسيرا من العلم ثم تصدروا للخطابة والدعوة ومنهم طبقة لا يؤخذ منهم العلم أبدا.
فهذه الطبقات يجب أن تعرف ويجب أن نميز بينها ويجب أن نعلم ليس كل من تصدر للناس صلح لأن يفتيهم.
أخرج ابن عبد البر في الجامع عن مالك رحمه الله تعالى أنه قال :وجدت ربيعة يوما يبكي فقيل له ما الذي أبكاك أمصيبة نزلت بك فقال لا ولكن أبكاني أنه استفتي من لا علم له وقال ربيعة رحمه الله تعالى:لبعض من يفتي هاهنا أحق بالسجن من السارق.
الفائدة التي تليها: من الذي يؤخذ منه العلم
يقول ابن عبر البر في الجامع: إنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز قال تعالى والفهم، فالذي يؤخذ منه العلم كما يؤخذ من أقوال أهل العلم من اتصف بالصفات التالية ومن توفرت فيه الشروط التالية:
أولا :أنه متبع لما جاء في الكتاب والسنة فلا يقدم الآراء ولا يقدم العقل ولا يقدم الواقعة أو السياسة أو غيرها من الأمور الأخرى على الكتاب والسنة فهو مبتدع.
ثانيا: أنه متقيد ومنظبط في فهم الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة.
ثالثا :أنه ملازم للطاعة مجتنبا للمعاصي والذنوب.
رابعا: أنه بعيد عن البدع والضلالات والجهالات محذر منها.
خامسا: أنه يرد المتشابه إلى المحكم.
سادسا: أنه يخشى الله عز وجل.
سابعا: أنه من أهل الفهم والاستنباط.
وخلاصة هذه الأقوال أن نقول في العالم الذي يؤخذ منه العلم أنه من تعلم الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة مجتنبا للبدع وأهلها وللمعاصي وللذنوب هذا الذي يؤخذ منه العلم وتقييده بأنه على فهم سلف الأمة وعلى طريقتهم يدخل فيه الصفات المذكورة سابقا والأقوال المذكورة سابقا كيف نعرف العالم إن كان عاميا فإنه يسأل أهل العلم المعروفين من أمثال الشيخ الفوزان أو اللحيدان أو الشيخ السبيل أو الشيخ ربيع أو غيرهم من أهل العلم يسألهم عندنا رجل متصدر اسمه كذا وكذا هل نأخذ منه العلم أم لا ؟ هل يستفاد منه أم لا ؟ هذا كان دأب السلف كانوا يسألون عمن يتصدر لإفادتهم، أما إذا كان طالب علم وكان عنده تمييز فإنه ينظر إلى حاله كما سبق، ينظر إلى صلاته وسمته ينظر إلى أقواله ومنهجه، إن كان متابعا للكتاب والسنة وفهم سلف الأمة لزمه وإن كان رجلا مقدما للرأي معظما لأهل الأهواء والبدع يدل على كتبهم يجتنبهم ويجتنب هذا الرجل
وأذكر لكم مثالا رجل متصدر للتدريس سئل في درسه عن تفسير في ضلال القرآن لسيد قطب وانظروا إلى فتواه فإنه قال ملخصا لكلامه: سيد قطب عنده أخطاء وجاهل ولكنه فسر القرآن ووفق فيه توفيقا عجيبا يكاد يتفرد في أسلوبه في هذا العصر وعنده من تحقيق الإيمان وعنده وعنده وأثنى عليه.
طيب إذا كنت تقول أنت ـ وهذا الرجل الذي تكلم بهذا الكلام متخصص في قسم العقيدة فمثله لا يأبه يعرف أهل الأهواء والبدع ـ إذا كنت تقول إنه جاهل وأنه عنده أخطاء في العقيدة فكيف تدل الناس على كتبه وعلى قراءة كتابه؟ وقد مر معنا أن من تكلم في دين الله وهو جاهل أنه آثم أصاب أو أخطأ فكيف يدل الناس على هذا الكتاب؟ فلا شك أنه يجب يعني إذا رأينا مثل هذا الرجل أن نجتنبه وأن نبعد عن طريقه.
ثم الفائدة التالية: وهي من الذين لا يؤخذ منهم العلم، وهذه الفائدة كما يقال مع الفائدة السابقة من الذي يؤخذ منه العلم هي لب هذه الكلمة ولب هذه النصيحة والموعظة، فالذين لا يؤخذ عنهم العلم يتصفون أو يسمون بعدة أسماء فمنهم :
ممن لا يؤخذ منه العلم الجهال أو من لا يعرف بالطلب ويدخل في الجهال ومن لا يعرف بالطلب يدخل فيهم التائبون من المعاصي ويدخل فيهم علماء الطب والجيولوجيا والإعجاز العلمي وغيرها من العلوم الكونية فهؤلاء ليسوا بعلماء لم يتخصصوا في العلم الشرعي فلا يؤخذ عن أمثال هؤلاء العلم ولا يؤخذ عن أمثال هؤلاء تفسير الكتاب ولا شرح السنة
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: الجهل أصل كل فساد وكل ضرر يلحق العبد في دنياه و أخراه فهو نتيجة الجهل. اهـ
ومن الخطأ ظن بعض الناس أن الجاهل هو ذاك الذي لا يقرأ ولا يكتب فقط ولا شك أن هذا فهم قاصر إذا أن المراد بالجاهل في الأحاديث وفي آثار السلف، المراد بالجاهل كل من تكلم في دين الله بلا علم ولو كان يحسن العبارة ولو كان يدرس ولو كان يؤلف الكتب ولو كان خطيبا مفوها كما أن كلمة الجاهل تشمل أهل الأهواء والبدع هؤلاء هم الجهال الذين لا يؤخذ عنهم العلم كل من تكلم في دين الله بلا علم فهو من الجهال
أخرج أبو داود في السنن وغيره عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا جرح في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم احتلم فأمر بالاغتسال فاغتسل فمات فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم قتلوه قتلهم الله ألم يكن شفاء العي السؤال أي ألم يكن شفاء الجهل السؤال ومر معنا حديث عبد الله ابن عمرو إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا
فالرؤوس الجهال هاهنا ليس المراد بهم من لا يقرأ ولا يكتب بل المراد بهم من تكلم في دين الله بلا علم ولو كان خطيبا مفوها أو مؤلفا أو كاتبا أو ناصحا أو واعظا
يقول مالك:لا تحمل العلم عمن لم يعرف بالطلب ولا بمجالسة أهل العلم
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عون أنه قال: لا يؤخذ هذا العلم إلا ممن شهد له بالطلب
وأخرج الخطيب في الفقيه عن عبد الله ابن إسحاق قال كان عبد الله ابن الحسن ابن الحسن ابن على بن أبي طالب قال كان يكثر الجلوس إلى ربيعة فتذاكروا يوما السنن فقال رجل كان في المجلس ليس العمل على هذا يرد السنة بأن العمل ليس عليها فقال عبد الله الهاشمي هذا قال أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام أفهم الحجة على السنة فقال ربيعة أشهد أن هذا الكلام كلام أبناء الأنبياء.
وقال الشيخ الفوزان حفظه الله تعالى: لا يجوز الأخذ عن الجهال ولو كانوا متعالمين ومعنى قوله ولو كانوا متعالمين أي متصدرين لتدريس الناس إذا كانوا جهالا لا يعلمون دين الله عز وجل هؤلاء إذا هم الجهال والجهال لا يؤخذ منهم العلم مطلقا ولو استفتوا ولا يرجع إليهم.
الصنف الذي يليهم أهل الأهواء والبدع ويدخل فيهم الخوارج والصوفية وكل الجماعات المعاصرة التي خالفت الكتاب والسنة مثل جماعة التبليغ أو جماعة الإخوان المسلمين
ومر معنا حديث عائشة حين قال صلى الله عليه وسلم فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم
وأخرج أحمد في المسند عن عقبة ابن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هلاك أمتي في الكتاب واللبن ـ وهذا حديث حسن إن شاء الله ـ قالوا يا رسول الله ما الكتاب واللبن قال يتعلمون القرآن فيتأولونه على غير ما أنزل الله عز وجل ـ وهذه طريقة أهل الأهواء الذين يتبعون ما تشابه منه ـ ويحبون اللبن فيدعون الجماعات والجمع ويبدون ـ أي يكونون مع أهل البادية ـ
وأخرج الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى في الفقيه وغيره عن أبي أمية الجمحي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر
قال ابن المبارك :الأصاغر من أهل البدع
ومن أضرار أخذ العلم من أهل البدع :
أولا انغماس الآخذ عنهم في بدعتهم.
ثانيا: تعلق قلب الطالب بالمبتدع ومحبته له والمرء مع من أحب
ثالثا: فيه تكثير لسواد أهل البدع.
رابعا: فيه إغراء للعامة بصحة ما هم عليه.
خامسا: مجالسة المبتدع توجب الإعراض عن الحق.
سادسا: من جالس صاحب بدعة سلبت منه الحكمة.
قال ابن عبد البر: أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ ولا يعدون عند الجميع في طبقات الفقهاء وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه
وقال البغوي في شرح السنة :قد مضى الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم
وفسر بعض أهل العلم الأصاغر بطلاب العلم الصغار وهذا التفسير يصح إذا ترك طلاب العلم العلماء الكبار والتفوا حول طلاب العلم الصغار فإنه يكون من علامات الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر
وكان السلف يحثون طلاب العلن على أخذ العلم من العلماء الكبار وكانوا يتأدبون فلا يدرسون مع وجود علماء كبار إلا أن يأذن لهم العلماء الكبار بالتدريس
يقول مالك :ما درست و لا أفتيت حتى أذن لي سبعون عالما من أهل المدينة بالفتيا والتدريس وتدريس الصغار من طلاب العلم مقبول عند أهل العلم بشروط أو مراعاة الأمور التالية:
الأمر الأول: أن لا يعامل هذا الصغير معاملة العلماء الكبار
يعني بعض الشباب يعني يتلقون العلم من طالب علم صغير ويقدمون أقواله على العلماء الكبار وهذا خطأ، العلماء الكبار لهم منزلتهم وقدرهم وهذا طالب العلم يعامل بقدره وينزل منزلته وأيضا يجب أن يحذر وهذا بناء على ما سبق يجب أن يحذر من التعصب له وأيضا يجب على هذا المدرس من صغار طلاب العلم أن يتأدب بآداب العلماء وأيضا يجب عليه أن يستمر في طلب العلم يعني بعض الناس إذا تصدر للعلم وهو صغير يأنف ويستكبر أن يحضر دروس أهل العلم وهذا خطأ، يقول ابن المبارك وقد قيل له إلى متى تطلب العلم يقول حتى الممات إن شاء الله وقال الإمام أحمد أنا أطلب العلم إلى أن أدخل القبر، وأيضا من الأمور التي ينبغي أن يراعيها أن لا يتسرع في الأحكام والفتوى
وأهل الأهواء والبدع لا يؤخذ منهم العلم مطلقا ولا يرجع إليهم.
وممن لا يؤخذ منهم العلم الفساق والمراد بالفساق أصحاب المعاصي وأصحاب الذنوب ولو كان عندهم شيء من العلم ولو كان عندهم كثير من العلم، فإن السلف كانوا يحذرون من الفساق لماذا ؟ لماذا لأن الفاسق لا يتورع أن يحل ما حرم الله وهو فتنة بفعله وحاله للناس
ولذلك قال سفيان اتقوا فتنة العابد الجاهل والعالم الفاجر ـ أي الفاسق ـ فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون، الناس لما تشوف إنسان متصدر للعلم حالق لحيته يحلقون لحاهم وإذا شافوا إنسان متصدر للعلم مسبل ثوبه أسبلوا ثيابهم واضح، إذا شافوا إنسان متصدر للعلم يفعل الفواحش يسمع الأغاني يفعلون مثله واضح، مثل ما نقل عن بعضهم أنه يسمع لأم كلثوم أو يسمع لمحمد عبد الوهاب وإنه كان يطرب بهذا السماع و يفكر بمصالح الأمة، هي مصالح الأمة الشيطانية وليست على السنة النبوية وهذا منقول عن جماعات في كتبهم وفي مجلاتهم.
يقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى: لا تأخذ دينك إلا عن عالم تقي قال تعالى إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ فخذ من العلماء الذين يخشون الله بشرطين أن يكون عالما وأن يكون يخشى الله ، فإن كان عالما لا يخشى فلا تأخذ عنه وإن كان يخشى الله لكنه ليس بعالم فلا تأخذ عنه . اهـ
وأيضا الفساق عند العلماء لا يؤخذ منهم مطلقا.
وممن لا يؤخذ منهم العلم المجهول ما الفرق بين المجهول وبين الجهال ؟ الجهال عرفوا بشيء من العلم لكنهم من عوام طلاب العلم لا يستحقوا أن يفتوا وأن يلتف حولهم الشباب وأن يدرسوا، لهم أن ينصحوا وأن يبينوا ما يفهمون وهو قدر يسير وأما أن يبينوا شيئا ما يفهمونه هذا لا يجوز هؤلاء الجهال، أما المجهول فهو إنسان لا يعرف أصلا
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :الكتيبات كثيرة وكثيرة أيضا من أناس مجهولين لا يعلم عنهم سابق علم ولا سابق فقه فيحصل فيها إذا خالفت الحق ضرر على العامة ولهذا أنا أنصح أن لا يتلقى من هذه الكتيبات إلى آخر كلامه رحمه الله
وأيضا ممن لا يؤخذ منه العلم أهل الرأي المحض المجرد عن الدليل.
وأيضا ممن لا يؤخذ منهم العلم فقهاء الواقع والحركيون السياسيون ودعاة الصحوة.
يقول الشيخ الفوزان حفظه الله تعالى: الاشتغال بالمحاضرات العامة والصحافة وبما يدور في العالم دون علم بالعقيدة ودون علم بأمور الشرع تضليل و ضياع ويصبح صاحبها مشوش الفكر لأنه استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير والله سبحانه وتعالى أمرنا بتعلم العلم النافع أولا قال تعالى فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وأما الاشتغال بواقع العصر أو فقه الواقع فهذا إنما يكون بعد الفقه الشرعي.
وهنا نقول ليست المناصب كالشهادات والدكاترة أو كون الإنسان قاضيا دليلا على أن صاحبها عالما، قد يكون عالما إذا توفرت فيه الشروط السابقة وقد يكون أجهل الجاهلين بل كما يقول الشيخ حماد الأنصاري أجهل من حمار أهله
طيب ما معنى هذا الكلام المعنى أن المنصب قاضي دكتور مثلا كذا وكذا عضو مجلس كذا عضو مجلس ما أدري ايش شكله عضو مجلس بلدية عضو مجلس شورى هذا ليس دليلا على أن صاحبه عالما وليس دليلا على أنه غير عالم.
بعض الناس يقول يا أخي هذا دكتور يا أخي هذا قاضي يا أخي هذا والله ما أدري ويش شكله هذا والله عضو مجلس ما أدري ايش لا كونه اشتغل في هذا المنصب قد يكون أهلا للعلم والفتوى قد يكون لا، انتبهوا الآن
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: المنصب والولاية لا يجعل من ليس عالما مجتهدا عالما مجتهدا ولو كان الكلام في العلم والدين بالولاية والمنصب لكان الخليفة والسلطان أحق بالكلام في العلم والدين وبأن يستفتيه الناس ويرجعوا إليه فيما أشكل عليهم في العلم والدين
إذا ليس المنصب من دكترة أو كونه قاضيا أو كونه عضو مجلس كذا هذا دليل على أن صاحبه عالما وإنما يوزن بميزان الشرع وفي مجلة الدعوة العدد 1957 في رجب عام 1425 مقالا عن أن الدكتوراة ليست دليلا على أن صاحبها عالم وفيها مقاطع وجمل اعتراضية أنا أبينها أو ألخصها الآن وهي عناوين جيدة منها أن الشهادات العليا لا تصنع العلماء وهذا صحيح ومنها ليس كل من نال شهادة الدكتوراة صدق عليه أنه عالم
أيضا من العناوين التي ذكرت في مجلة الدعوة أن الشهادات العليا مفاتيح للعلم وليس العلم ذاك وهذا أيضا صحيح وأيضا يقولون بعض الباحثين حصل على الماجستير والدكتوراة بالغش والاحتيال من الخارج هذا واضح أيضا ذالك أنهم يذهبون إلى بعض الباحثين من الضعفاء والمساكين فيقولون لهم اكتبوا لنا هذا البحث ونعطيكم عشرين ألف ثلاثين ألف وأنا والله أعلم عدة أشخاص كتبت لهم رسالة الدكتوراة والماجستير بالفلوس ما كتبوا فيها حرفا ولا راجعوا فيها كلمة بل حتى من الناحية اللغوية من الناحية قد يقال لك إشكال كذا فجوابك كذا أعدت لهم بهذه الصورة فمثل هذا يأخذ الدكتوراة ثم يتقلد منصب وهو جاهل ثم بجهله يريد أن يحكم على الناس فلذلك هي ظلمات بعضها فوق بعض لو كان أخذها بتقوى الله وبعلم لنفعته ولكن لما أخذها بجهل وضلال أضلته إلى آخر ذلك وبعضهم يأخذها بحقها لذلك لم تكن الشهادات دليلا
والشيخ الغديان نقل عنه بعض طلابه أنه قال الدكتوراة أول خطوة في طلب العلم وهذا صحيح لماذا ؟ انتبهوا يا إخوان، اللي يحضر الدكتوراة والماجستير ما يحضر العلم ككل في الماجستير يبحث مسألة وفي الدكتوراة يبحث مسألة ضاعت عليه قرابة ثماني سنين أو عشر سنين في هذه المسألتين غالبا ما يقرأ شيء إلا هذه المسائل هذا إذا بحث واضح ثم يتصدر للناس بجهله ما يعلم إلا هاتين المسألتين وهذا خطأ.
طيب الآن نسرع والباقي يترتب على ما سبق.
أيضا الخطباء كون الإنسان خطيبا ليس دليلا على أنه عالم قد يكون خطيبا عالما وقد يكون خطيبا على غير علم يقول ابن رجب : قد فتن كثير من المتأخرين بهذا ـ أي بتكثير الكلام ـ وظنوا أن من كثر كلامه وجداله وخصامه في مسائل الدين فهو أعلم ممن ليس كذلك إلى آخر كلامه في كتابه بيان فضل علم السلف على الخلف وهو كتاب مهم
أيضا ممن ينبغي التنبه لهم الوعاظ والمذكرون ليسوا بعلماء على الإطلاق قد يكون الواعظ والمذكر عالما وقد يكون جاهلا فكونه يذكر الناس ويوعظهم ليس هذا دليلا على أنه عالم فلا ينبغي أن نغتر بهم
يقول ابن الجوزي :متى كان الواعظ عالما بتفسير القرآن والحديث وسير السلف والفقه عرف الجادة ولم يخف عليه بدعة من سنة ودله علمه على حسن القصد وصحة النية ومتى كان قاصر العلم طالبا للدنيا لم ينفع غيره وضر نفسه.
وأيضا من الوعاظ والمذكرين القصاص كون الإنسان قاصا هذا ليس دليلا على أنه عالم، قد يكون عنده علم وقد يكون جهل
وقد كان السلف يحذرون من القاص لماذا ؟ لأن القصاص غالبا ما يأتون بالأحاديث الضعيفة والمكذوبة ولأن القصاص يشغلون الناس عن القرآن والسنة بالقصص ولأن القصاص غالبا ما يكونوا جهالا بالكتاب والسنة وهذا والله الذي نراه فإن الناس تقول لهم اسمع لابن باز ولابن عثيمين يقولون لك لا لا كلامهم مو حلو نسمع لفلان وفلان من الجهال والقصاص لماذا ؟ يقولون بن باز وابن عثيمين ما عندهم كلام حلو هادوك عندهم كلام حلو فنظروا رحمني الله وإياكم كيف فتنوا العامة ولذلك ينبغي على القصاص والمذكرين والوعاظ أن يتقوا الله عز وجل، والسلف كانوا يحذرون من القصاص يقول أيوب ما أمات العلم إلا القصاص إن الرجل ليجلس إلى القاص بردهة من دهره ـ أي فترة من الزمان ـ فلا يتعلق منه بشيء، وإنه ليجلس إلى الرجل العالم الساعة فما يقوم حتى يفيد منه شيئا ويقول أبو إدريس الخولاني: لئن أرى في طائفة المسجد نارا تقد ـ يعني تشتعل ـ أحب إلي من أن أرى