بحث هل الحديث الضعيف يرتقي للصحيح لغيره
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد
فإني رأيت كلاما لعلماء أجلاء عن الحديث الصحيح لغيره و أنه لا يكون إلا بإسنادين حسنين لذاتهما أو أكثر و أنه لا يمكن للضعيف أن يرتقي للصحيح لغيره بل يبقى حسنا لغيره مهما كثرت الأسانيد الضعيفة , وذلك بتعريفهم للحديث الصحيح لغيره بالتالي :
" الحسن لذاته إن تعددت طرقه "
فأحببت أن أبحث عن كلام العلماء في المسألة حتى يمكنني فهم المسألة بشكل أكبر
وقد فهمت هذا الرأي من عدة علماء و لعل من نبهني على المسألة هو الشيخ المحدث الفاضل عبدالله بن عبدالرحيم البخاري حفظه الله في كتابه ( التعليقات الرضية على المنظومة البيقونية ) , فقمت بالاتصال به و التأكد من قصده و أن معنى هذا التعريف كما فهمت فأكد لي ذلك جزاه الله خيرا , وقلت له أني لم ألحظ هذا في كلام الألباني فقال لي أنا لا أعرف رأي الألباني في هذا فابحث عنه .
فقمت بالبحث في عدة كتب وخاصة كتب الشيخ الألباني رحمه الله فوجدت التالي :
أولا كلام الشيخ الألباني رحمه الله :
قال في مقدمة الترغيب و الترهيب في تعريفه أقسام الحديث :
( 4- صحيح لغيره . وهو الذي تقوى بكثرة طرقه التي لم يشتد ضعفها )
قلت : ومفهوم هذا الكلام من الشيخ أن الضعيفة التي لم يشتد ضعفها ترتقي لتكون الحديث الصحيح لغيره , و أكد هذا بقوله بعدها :
( 5- حسن لغيره . وهو الذي قبله , ولكن لم تكثر طرقه , ويكفي فيه طريقان لم يشتد ضعفهما )
وقال رحمه الله في اجابة السؤال التالي في الشريط الثاني من فتاوى جدة بتفصيل أكثر وضوحاً :
(س- بالنسبة للحديث الحسن لغيره هل يرتقي لمرتبة الصحيح
فأجاب الشيخ : بارك الله فيك الحديث الحسن لغيره كما جاءه الحُسْن من غيره يأتيه الصحة من غيره , إذا افترضنا حديثا ً ضعيفاً في مفردات طرقه لكن له ثلاث طرق أو أربع طرق قلنا عنه حسن , لكن إذا صارت إلى عشرة طرق مثلا فهو يرتقي إلى الصحة , ومن هذا القبيل حديث عائشة رضي الله عنها " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بعض نسائه ثم يقوم إلى الصلاة ولا يتوضأ " وهو حديث صحيح بمجموع طرقه و إن كان البيهقي رحمه الله يضعف الحديث و يقول أن الحديث ضعيف من جميع طرقه , لكن سبحان الله أين هو من قاعدة الحديث الضعيف يتقوى بكثرة طرقه , فلماذا ؟ لأنه يخالف مذهبه ! .....)
الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله
قال في كتاب ( المقترح ) جوابا عن سؤال :
( السؤال :بالنسبة للحديث الضعيف إذا كان الضعف راجعًا إلى سوء الحفظ، وتكون له طرق كثيرة فهل يرتقي إلى الصحيح لغيره؟
الجواب: نعم، إذا لم يشتد ضعفه، فممكن أن يرتقي إلى الحسن لغيره، وإلى الصحيح لغيره إذا جاء من نحو سبع طرق أوست، سيء الحفظ مع سيء الحفظ مع سيء الحفظ، ولكن بشرط ألا يكون ذلك الذي قيل فيه سيء الحفظ قد خالف، وقد ذكر الحديث في ترجمته من "الكامل" لابن عدي، أو ذكر في ترجمته في "ميزان الإعتدال"، أو ذكر في ترجمته من "لسان الميزان" أو في كتب العلل أن هذا الحديث منكر، فمثل هذه الطريق لا تصلح في الشواهد والمتابعات لأنه إذا خالف الثقات المتكاثرين فحديثه منكر والمنكر لا يصلح في الشواهد والمتابعات، فلا بد من اعتبار هذه الشروط. والله المستعان. )
العلامة أحمد شاكر المصري رحمه الله
قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في شرحه على ألفية السيوطي :
( أما إذا كان ضعف الحديث لسوء حفظ الراوي أو نحو ذلك فإنه يرقى لدرجة الحُسن أو الصحة بتعدد طرقه إن كانت كذلك ) ص 10
********
و أما العلماء الذين قالوا بأن الحديث الضعيف لا يرتقي للصحيح لغيره و إنما يبقى حسنا لغيره فقط فمنهم :
الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالرحيم البخاري حفظه الله تعالى
وذلك في كتابه التعليقات الرضية على المنظومة البيقونية في تعريفه للحديث الصحيح لغيره و الكتاب ليس معي لأنقل منه حرفيا الآن فأنا بعيد عن كتبي .
ثم وجدت له كلاما حفظه الله في التوضيح الأبهر يعلق على قول السخاوي التالي :
( (فالصحيح): لذاته وكذا لغيره، (ما سلم من الطعن في إسناده ومتنه) إذ هو المتصل السند بالعدل التام الضبط أو القاصر عنه إذا اعتُضد من غير شذوذ ولا علة ).
فقال الشيخ البخاري معلقا على هذا الكلام :
( نعم هذا التعريف جمع بين تعريف الحديث الصحيح لذاته وكذا تعريف الحديث الحسن لذاته؛ إذ الصحيح لغيره الذي أشار إليه المصنف إنما هو الحديث الحسن المعتضد بمثله، إذ صحح لأمر أجنبي عنه، فالاشتراك بين الصحيح والحسن في جميع الصفات العليا للقبول، والافتراق في صفة واحدة منها وهي الضبط، فالصحيح تام الضبط، والحسن قصر عن تمام الضبط. )
قلت : والله أعلم أن كلام السخاوي رحمه الله يدخل فيه الحديث الضعيف أيضا لأنه قال :
( (فالصحيح): لذاته وكذا لغيره، (ما سلم من الطعن في إسناده ومتنه) إذ هو المتصل السند بالعدل التام الضبط أو القاصر عنه إذا اعتُضد من غير شذوذ ولا علة ).
قلت : فقول السخاوي ( أو القاصر عنه ) يشمل راوي الحسن (خفيف الضبط ) و كذلك راوي الضعيف (سيء الحفظ ) , فكلاهما قصر حفظه عن درجة الراوي تام الضبط , هذا من حيث لفظ التعريف لكن من حيث رأي السخاوي فقد يكون صرح بما ذكره الشيخ البخاري حفظه الله في مكان آخر و الشيخ أوسع اطلاعا و لا شك و الله سبحانه وتعالى أعلم .
ثم وجدت كلاما للسخاوي رحمه الله في فتح المغيث قد يستفاد منه أنه يرقي الضعيف إلى الصحيح لغيره فقال :
(ثم كما أن الحسن على قسمين كذلك الصحيح فما سلف هو الصحيح لذاته ( و ) الحديث ( الحسن ) لذاته وهو المشهور بالعدالة والصدق راويه غير أنه كما تقدم متأخر بالمرتبة وفي الضبط والإتقان عن راوي الصحيح إذا أتى له طرق أخرى نحوها أي نحو طريقه الموصوفة بالحسن ( من الطرق ) المنحطة عنها ( صححته ) أما عند التساوي أو الرجحان فمجيئه من وجه آخر كاف وهذا هو الصحيح لغيره )
قلت : فانظر إلى قوله ( المنحطة عنها ) بعد ذكره لـ ( الموصوفة بالحسن ) مما يدل على أنه يقصد الطرق الضعيفة , فمقصوده و الله أعلم أن الحديث الحسن لذاته حتى يرتقي للصحيح لغيره فيكفيه طريق أخرى حسنة الإسناد , أما إن كان الذي سيقويه طريق ضعيفة فهي لابد أن تكون أكثر من طريق و لا تكفي طريق واحدة .
******
الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله :
قال رحمه الله في شرحه للبيقونية :
( والصحيح لغيره: هو الحسن إذا تعددت طرقه، وسُمي صحيحاً لغيره؛ لأنه إنما وصل إلى درجة الصحة من أجل تعدد الطرق. )
*****
وهنا نطلب ممن كان عنده شيء في هذا الباب أن يفيدنا بالتالي :
1- هل من علماء قبل العصر الحاضر كلامه صريح في أن الضعيف لا يرتقي للصحيح لغيره , و اتمنى أن يكون الكلام لا يحتمل , فإن بعض التعريفات أو الحدود تكون فيها نوع من القصور فيؤدي هذا القصور إلى فهم شيء لم يقصده واضع التعريف أو الحد , و الدليل على ذلك أنك تجد كثير من العلماء يستدرك على علماء آخرين بعض تعريفاتهم أو قواعدهم .
2 - من عنده أمثلة على تطبيقات بعض العلماء الصريحة في الموضوع فليأتنا بها و جزاه الله خيرا
أو أي فائدة أخرى أو نصيحة بارك الله فيكم