الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أمَّا بعد:
فإنَّ أعراف الناس تختلف باختلاف محالِّهم وأوطانهم، فلكل قومٍ عاداتٌ وأعرافٌ يتميزون بها عن غيرهم، ومِن ذلك اختلاف المنتسبين إلى العرب في اللهجات التي ينطقون بها مع اشتراكهم في أصل لغة الضاد المشرَّفة.
وقد بوَّب اللغوي البارع أبو زكريا ابن فارس صاحب (معجم المقاييس) لبعضِ ما كانت تنطق به القبائل العربية مما يُعَدُّ مذمومًا في اللغة في كتابه (الصاحبي في فقه اللغة) فقال:
(( باب اللغات المذمومة
......
وحدَّثني عليُّ بن احمد الصبَّاحي، قال سمعت (ابن دُرَيد) يقول: حُروفٌ لا تتكلَّم بها العرب إلا ضرورة، فإذا اضطُرُّوا إليها حوَّلوها عند التكلُّم بها إلى أقرب الحروف من مخارجها.
فمن تلك الحروف الحرفُ الذي بين الباء والفاء، مثل (بور) إذا اضطُروا، فقالوا: (فور).(1).
ومثلُ الحرف الذي بين القاف والكاف والجيم -وهي لغةٌ سائرة في اليمن -مثل: (جمل) إذا اضطُرُّوا قالوا: (كمَل).(2)
.... فأمَّا (بنو تميم) فإنهم يُلحقون القاف باللهاة حتى تغلَظَ جِدًّا فيقولون: (القوم) فيكون بين الكاف والقاف، وهذه لغةٌ فيهم،(3) قال الشاعر:
ولا أكولُ لكِدرِ الكَومِ: قد نضِجت
ولا أكولُ لبابِ الدَّار: مكْفولُ.
ثم قال: (قلنا: أما الذي ذكره (ابن دريد) في (بور) و(فور) فصحيح.
وذلك أنَّ بور ليس من كلام العرب، فلذلك يحتاج العربي عند تعريبه إياه أن يُصيِّره فاءً، وأما سائرُ ما ذكره فليس من باب الضرورة في شيء، وأيُّ ضرورة بالقائل إلى أن يقلب الكاف شينا، وهي ليست في سجعٍ ولا فاصلة؟ ولكن هذه لغاتٌ للقوم على ما ذكرناه في باب اختلاف اللغات)).
[الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب (ص 57-58)]
-----------------------
(1)- وهو حرفُ (v) في اللغة الأجنبية، وربما أدخلوه في الدارجة، وبعضُ الناس يخُطُّه فاءً موحَّدةً تحتية!.
(2)- وهو حرفٌ أجنبي أيضًا، يكثُرُ في كلام المصريين إذا نطقوا بالجيم.
(3)- وهذه لغةٌ أيضًا عند أهل (جيجل)، ونِعم سلَفُ الجواجلةِ بنو تميم.(ابتسامة).
كتب: محمد الديسطي